يحمل ارتفاع أسعار النفط، التي تجاوزت حاجز 92 دولارًا للبرميل، تبعات خطيرة على اقتصاد الهند التي تستورد 85% من احتياجاتها من الخارج.
وواصلت أسعار النفط حصد المكاسب خلال تعاملات اليوم الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، مسجلة أعلى مستوى في 10 أشهر، وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت -تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2023- بنسبة 0.12%، لتصل إلى 92.17 دولارًا للبرميل.
كما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم أكتوبر/تشرين الأول 2023- لتصل إلى 89.02 دولارًا للبرميل، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا الصدد، حللت مؤسسة “كير إيدج” (CareEdge) للتصنيف الائتماني، آثار الضغوط المتزايدة لأسعار النفط العالمية في الهند ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، بسبب خفض السعودية إنتاجها طوعًا وكذلك روسيا.
الهند وارتفاع أسعار النفط
تتوقع مؤسسة كير إيدج، في تقريرها عن آثار ارتفاع أسعار النفط الخام في الاقتصاد الكلي بالهند، أن يواصل البلد الآسيوي استيراد شحنات النفط، نتيجة لارتفاع معدلات النمو في اقتصاد ثالت أكبر مستهلك للنفط في العالم.
كما من المتوقع استمرار الاتجاه الصعودي لواردات الهند من النفط على مدار السنوات المقبلة، رغم أنف تقلبات الأسعار.
وفضلًا عن تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، تحمل واردات النفط تأثيرًا ضخمًا في القدرات الضخمة لمصافي التكرير التي تتجاوز 250 مليون طن سنويًا، وهو ما يؤهل الهند لتصبح مصدرًا صافيًا للمشتقات النفطية.
وعزا التقرير ارتفاع أسعار النفط الخام إلى عدد من العوامل الجيوسياسية، وعلى رأسها إعلان المملكة العربية السعودية تمديد الخفض الطوعي للإنتاج (مليون برميل يوميًا) حتى نهاية العام الجاري، وأيضًا إعلان روسيا تمديد خفض الصادرات لنهاية 2023.
وأعلنت الرياض في 5 سبتمبر/أيلول الجاري 2023 تمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط، بمقدار مليون برميل يوميًا، لمدة 3 أشهر إضافية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري 2023، ليبلغ إنتاج السعودية من النفط للأشهر المقبلة (أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول)، نحو 9 ملايين برميل يوميًا.
يأتي ذلك بعدما أقرّت السعودية في يوليو/تموز 2023 خفضًا إضافيًا طوعيًا بمقدار مليون برميل يوميًا، والخفض الطوعي لإنتاج النفط الذي أقرته 9 دول في تحالف أوبك+ في أبريل/نيسان 2023، من بينها المملكة، وبدأ تطبيقه في مايو/أيار 2023.
كما أعلنت روسيا خفض صادراتها بمقدار 300 ألف برميل يوميًا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، لدعم أسعار خام الأورال.
ويوضح الرسم البياني التالي -أعدته منصة الطاقة المتخصصة- واردات الهند من النفط حتى يوليو/تموز 2023:
النفط الروسي إلى الهند
شهدت واردات الهند من النفط الروسي زيادة ملحوظة بدعم من الحسومات المغرية التي أقرتها موسكو لتسويق نفطها بعد عقوبات غربية في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وبرزت الهند بوصفها أكبر مشترٍ للنفط الروسي خلال العام الماضي (2022)، وتضاعف حجم وارداتها بمقدار 22 مرة، وفتحت الحسومات على أسعار النفط شهية نيودلهي للشراء، رغم أنه كان أقلّ جاذبية قبل الغزو.
ومؤخرًا، تراجعت واردات الهند من النفط الروسي، بسبب تراجع حجم الحسومات مقارنة بالأسعار العالمية.
وكانت مجموعة الـ7 الصناعية قد فرضت سقف أسعار على صادرات النفط الروسي في نهاية العام الماضي (2022)، ضمن حزمة عقوبات لتجفيف منابع حرب موسكو على أوكرانيا التي بدأت في فبراير/شباط 2022 المنصرم.
ورغم عدم التزام الهند بالسقف السعري بغية تحقيق مكاسب من فروقات الأسعار، فإن نطاق تلك الحسومات قد انكمش مقارنة بسابق عهدها.
وانخفض الفارق بين سعر خام برنت وخام الأورال الروسي إلى 14 دولارًا للبرميل في سبتمبر/أيلول 2023، مقارنة بـ28 دولارًا في يناير/كانون الثاني 2023.
وتجاوز سعر خام الأورال حاجز 75 دولارًا للبرميل، فوق مستويات السقف السعري الذي أقره الغرب.
ومع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الحسومات، تراجعت حصة روسيا في واردات الهند النفطية إلى 34% في أغسطس/آب 2023 مقارنة بنسبة 43% في أبريل/نيسان 2023.
ويوضح الرسم البياني أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- وجود الهند على قائمة أبزر مستوردي النفط الروسي بعد العقوبات الغربية:
توقعات سوق النفط 2023
تتوقع مؤسسة “كير إيدج” للتصنيف الائتماني، أن يتراجع الطلب على النفط عالميًا في ضوء تراجع المعروض والتباطؤ الاقتصادي في الصين وضعف إنفاق المستهلكين بعد جائحة كورونا.
ورغم الارتفاع الحالي في الأسعار، استشهد التقرير بأحداث سابقة ارتفع فيها سعر النفط فوق 90 دولارًا للبرميل، قائلًا إنها لن تدوم لأوقات طويلة ما لم تحدث اضطرابات ضخمة بالسوق.
ومن المحتمل -بحسب التقرير- أن تؤدي تخفيضات الإنتاج بين دول في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) إلى إحداث حالة من انعدام التوازن بين العرض والطلب خلال الربع الـ3 والـ4 من العام 2023.
وبدءًا من عام 2024 المقبل، من المتوقع أن يعوض تباطؤ الاستهلاك الفجوة بين العرض والطلب، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المخزون وتراجع محتمل للضغوط المؤدية لارتفاع أسعار النفط الخام.
آثار تقلبات سوق النفط في الهند
تحمل أسعار النفط عواقب ضخمة على اقتصاد الهند، بسبب اعتماده شبه الكلي على الواردات من الخارج.
ولذلك، يتوقع التقرير أن يؤدي ارتفاع أسعار الخام العالمية إلى زيادة الضغوط التضخمية بالداخل، لكن الحكومة وشركات تسويق النفط ربما تمتص بعض الصدمات لتخفيف الآثار في أسعار الوقود بالتجزئة.
كما من المتوقع أن تحمل الزيادة في الأسعار عواقب محتملة على عجز الحساب الجاري، متوقعًا زيادة بنحو 20 نقطة أساس إذا ظلت أسعار النفط مرتفعة.
في المقابل، يقول التقرير إن مخاطر الانزلاق محدودة، لأن شركات تسويق النفط ستتحمل العبء الأكبر لزيادة الأسعار العالمية.
ويُقصد بالانزلاق هنا الفرق بين السعر المتوقع والسعر الحقيقي لمعاملات النفط.
في مواجهة ذلك، ينصح التقرير الحكومة بالرصد الدقيق واتخاذ إجراءات مالية، من شأنها المساعدة في التخفيف من الآثار المحتملة.
كما توقع أن تُسهم مرونة الاقتصاد الهندي بالإضافة إلى تدخل الحكومة في مواجهة تقلبات أسعار النفط.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply