أثار قرار شركة أرامكو السعودية وقف خطّة زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًا، المخاوف من توقعات بانخفاض الطلب على النفط، وتداعياته على الأسعار التي ارتفعت فوق 80 دولارًا.
وكانت وزارة الطاقة السعودية في عام 2019 قد أعلنت خططًا لزيادة الطاقة الإنتاجية للبلاد بمقدار مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027.
إلا أن أرامكو أعلنت، في 30 يناير/كانون الثاني 2024، تلقّيها توجيهًا من وزارة الطاقة بالمحافظة على مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة عند 12 مليون برميل يوميًا.
وفي هذا السياق، استطلعت منصة “الطاقة” المتخصصة آراء عدد من كبار الخبراء حول أسباب قرار أرامكو السعودية، وحول ما إذا كانت تتوقع انخفاض الطلب على النفط، وكذلك مدى التأثير في أسعار النفط.
هل ينخفض الطلب على النفط؟
رأى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة الدكتور أومود شوكري، أن قرار أرامكو السعودية بإيقاف خطتها لزيادة الطاقة الإنتاجية بمقدار مليون برميل يوميًا، المقررة في عام 2027، ليس بالضرورة مؤشرًا على أن الشركة تتوقع انخفاض الطلب في المستقبل.
وأشار -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- إلى أن القرار يتأثر بعوامل مختلفة، بما في ذلك تأثير تخفيضات أوبك+، والشكوك حول ضرورة التوسع، والحاجة إلى التوافق مع ظروف السوق والطلب.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح شوكري أن إعلان أرامكو تمديد خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا، يشير إلى استجابة إستراتيجية لديناميكيات السوق ومشهد الطاقة المتطور.
وصرح بأن قرار إيقاف توسيع الطاقة الإنتاجية مؤقتًا لا يشير بالضرورة إلى توقع انخفاض الطلب، وإنما يشير إلى تعديل إستراتيجي لظروف السوق وديناميكيات الإنتاج.
وهو الرأي نفسه الذي شاركته رئيسة شركة “إس في بي إنرجي إنترناشيونال”، الدكتورة سارة فاخشوري، التي أكدت أن السعودية لا تتوقع انخفاضًا في الطلب، فقد أعلنت بالفعل توقعها لنمو صحي للطلب في عام 2024.
وأشارت إلى أن قرار الحفاظ على الإنتاج عند 12 مليون برميل يوميًا وعدم توسيعه إلى ما هو أبعد من ذلك، لن يُسبّب نقصًا في السوق، وستظل السعودية تحتفظ بحجم كبير من الطاقة الفائضة، بالنظر إلى حجم إنتاجها الفعلي اليوم.
وأوضحت -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة- أن المملكة ستواصل الاستثمار في حقولها النفطية، “للحفاظ” على هذه القدرة ومنع تراجع طاقتها الإنتاجية.
الالتزام بتنويع مصادر الطاقة
أشارت الدكتورة سارة فاخشوري إلى أن هناك عاملًا مهمًا آخر، وهو التزام السعودية بالاستدامة العالمية ونتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا وزير الطاقة السعودي الدول التي تهدف إلى التخفيض التدريجي أو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري إلى أن تكون قدوة يُحتذى بها.
وأضافت: “حتى الآن، لم يظهر أي متطوعين، لكن السعودية تقود الآن هذا التحول بما يتماشى مع قمة المناخ كوب 28، وتبتعد عن الوقود الأحفوري وتوسع حصة الطاقة المتجددة”.
وفي الوقت نفسه، تهدف معظم الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك المنتجون الأميركيون، إلى زيادة الإنتاج، ويعزز هذا المحور الإستراتيجي قدرة السعودية على تصدير النفط في المستقبل مع التوافق مع الاستدامة العالمية.
ومن المهم -أيضًا- ملاحظة أنه إذا رأت السعودية في المستقبل مجالًا لزيادة الطلب على النفط بما يتجاوز طاقتها الإنتاجية الحالية، فيمكنها عكس هذا القرار والاستثمار في توسيع هذه القدرة بصورة أكبر، بحسب تصريحات فاخشوري.
حتى الآن، لا ترى المملكة فائدة في الاستثمار بتوسيع طاقتها الفائضة، في حين يمكنها إنفاق رأس المال على بناء القدرات في مصادر مختلفة للطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي أو مصادر الطاقة المتجددة.
كما رأى رئيس تحرير منصة “بتروليوم إيكونوميست” بول هيكن، أن قرار أرامكو يشير إلى رؤية إستراتيجية أكبر للسعودية، لتصبح مزودًا أكثر شمولًا للطاقة؛ وهو ما اتضح من خلال التحركات التي قامت بها حول الهيدروجين الأزرق والغاز المسال.
وبالتالي، تعيد المملكة تخصيص الموارد في الوقت الحالي، ومن الممكن أن تتراجع عن قرارها اعتمادًا على الاتجاه الذي ستسير نحوه توازنات الطلب على النفط والعرض في السنوات المقبلة.
عوامل أخرى لقرار أرامكو
رأى محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، أن قرار وقف زيادة الطاقة الإنتاجية لأرامكو السعودية يعود -جزئيًا- إلى انخفاض الطلب على النفط.
وقال، إنه من المؤكد أن هذا القرار يشير إلى إعادة معايرة مدى قوة الطلب على النفط في غضون 5 إلى 10 سنوات، لكن هذا لا يعني أنهم يشعرون أن الطلب على النفط سيكون ضعيفًا، ولكن ربما لن يكون قويًا تمامًا كما شعروا في البداية.
وأضاف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة-: “لكنني أشعر -أيضًا- أن هناك عنصرًا من جانب العرض في القرار، على وجه التحديد أنه بالنظر داخل تحالف أوبك+ وخارجه، يوجد بالفعل حجم ملحوظ من القدرة الجديدة ستدخل قيد التشغيل، التي من شأنها أن تترك السوق في مكان مريح خلال السنوات المقبلة؛ وهو ما يجعل هذه القدرة السعودية الإضافية أقل إلحاحًا”.
وأشار إيتيّم إلى أن السعودية تحتفظ بنحو 3 ملايين برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، وسيكون هناك شعور بأن ضخ كل هذه الأموال لإضافة مليون برميل يوميًا لا يعرفون متى سيحتاجونها، قد لا تكون الطريقة الأكثر حكمة لاستعمال هذه الأموال.
وشدد على أنه إذا كان هناك شعور بعد عدة سنوات في المستقبل بالحاجة إلى الطاقة الإضافية، فيمكنهم، من الناحية النظرية، أن يقرروا إحياء خطة رفع القدرات.
من جانبه، أوضح رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، أن قرار وزارة الطاقة الاحتفاظ بالسعة الاحتياطية القصوى عند 12 مليون برميل يوميًا، يعكس -جزئيًا- وجهة نظر مفادها بأن التوازنات العالمية ستكون أقل مما كان متوقعًا في السنوات المقبلة، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع نمو العرض من خارج أوبك.
ولذلك، قال مكنالي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- إن هناك حاجة إلى طاقة إنتاجية احتياطية أقل، ويمكن تحويل رأس المال لاستعمالات أخرى.
وقال: “لا يعني القرار أن المملكة قد تبنت رواية وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب العالمي على النفط سينفصل بصورة حادة عن الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري (2024)، وسيبلغ ذروته قبل عام 2030”.
كما قال محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، إن وقف خطة أرامكو قد يكون مدفوعًا بالتكلفة، أو الرغبة في إعادة توجيه الإيرادات إلى الحكومة بدلًا من الاستثمار في قدرات جديدة، أو نظرة جديدة أقل تفاؤلًا بشأن الطلب على النفط في المستقبل.
وأرجع هذا القرار -أيضًا- إلى وجود قدرة احتياطية عالية كافية تبلغ نحو 3 ملايين برميل يوميًا، وإمكان زيادة أخرى في المستقبل، إذ تهدف المملكة إلى أن يأتي 50% من الطلب على الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ما من شأنه أن يقلل الطلب المحلي على النفط بمقدار مليون برميل يوميًا.
هل تتأثر أسعار النفط؟
أكد محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، أن قرار وقف زيادة الطاقة الإنتاجية لشركة أرامكو ليس له أي تأثير في أسعار النفط على المدى القريب، إذ كان من المتوقع أن يجري تشغيل الطاقة الإنتاجية بحلول عام 2027.
وهو الرأي نفسه الذي عبّر عنه محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، إذ أوضح أنه ينبغي ألا يكون للقرار أي تأثير حقيقي في الأسعار الحالية، نظرًا لأنه كان من المقرر أن يجري تشغيل هذه السعة تدريجيًا في المدّة 2025-2027.
من جانبه، قال كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، الدكتور أومود شوكري، إنه على الرغم من أن القرار قد لا يكون له تأثير كبير في أسعار النفط في الوقت الحالي، فإنه -بلا شك- أضاف إلى المحادثات والتوقعات المستمرة بشأن مستقبل استهلاك النفط العالمي وتأثيراته المحتملة في السوق.
بدوره، صرح رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، بأن هذا القرار سيؤدي إلى تسريع بداية الدورة التالية لطفرة أسعار النفط بصورة طفيفة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply