اقرأ في هذا المقال
- • إيران تمكّنت من زيادة إنتاجها النفطي بشكل كبير؛ حيث تجاوز 3.15 مليون برميل يوميًا.
- • صادرات النفط من إيران إلى الصين سجّلت أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات.
- • إيران وضعت عددًا من الإستراتيجيات للالتفاف على القيود والحفاظ على حجم شحناتها النفطية ثابتًا.
- • إدارة بايدن تسعى إلى عقد صفقات دبلوماسية مع إيران وفنزويلا لزيادة إنتاجهما من النفط.
- • مشاركة إيران المستمرة في سوق النفط لها تأثير كبير في الديناميكيات المحلية.
تمثّل عودة طهران إلى إنتاج النفط الإيراني وتصديره تطورًا بارزًا في المشهد الجيوسياسي النشيط للطاقة.
وتمكّنت البلاد من زيادة إنتاجها النفطي بشكل كبير؛ حيث تجاوز 3.15 مليون برميل يوميًا، مع الحفاظ على مستويات تصدير كبيرة، خصوصًا إلى الصين، في حين تخضع لعقوبات اقتصادية قاسية وديناميكيات جيوسياسية معقدة.
ويدعو هذا الوضع إلى التشكيك في مدى فاعلية العقوبات الدولية، ومرونة الحكومات في الالتفاف على هذه العقوبات، والعلاقة الدقيقة بين السياسة الخارجية وأسواق الطاقة العالمية.
وتقدّم هذه المقدمة لمحة عن الشبكة المعقدة من المتغيرات التي تحرك قطاع النفط الإيراني، التي تنطوي على آثار عميقة في الديناميكيات المحلية، وأمن الطاقة الدولي، والبيئة الجيوسياسية.
زيادة الصادرات رغم العقوبات
على الرغم من تطبيق العقوبات الجديدة في سبتمبر/أيلول 2022 على صادرات النفط والبتروكيماويات الإيرانية، التي تستهدف الشركات الصينية والإماراتية، إلى جانب العقوبات الأميركية؛ فقد زادت صادرات النفط الإيراني وإنتاجه في الآونة الأخيرة؛ حيث أصبحت الصين المستهلك الرئيس.
ومن المتوقع أن يتجاوز إنتاج إيران من النفط الخام 3.4 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية سبتمبر/أيلول.
ويُعزى هذا الارتفاع في الإنتاج والصادرات إلى قدرة إيران على التهرب من العقوبات الأميركية وتراخي واشنطن في تطبيقها، بينما يعمل البلدان على تحسين العلاقات بينهما.
وقامت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بمحاولات لإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وتخفيف العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، التي أدت إلى زيادة إنتاج طهران وصادراتها من النفط.
ونظرًا إلى العقوبات الحالية، يُنظر إلى ارتفاع صادرات النفط الإيرانية على أنه غير قانوني، ومع ذلك؛ فإن الولايات المتحدة لم تنفذ هذه العقوبات بشكل كامل؛ ما أسهم في ارتفاع مبيعات هذا النفط.
وبسبب القلق بشأن تجارة النفط في السوق الموازية، طلب العديد من أعضاء مجلس الشيوخ من إدارة بايدن السماح لوكالة تحقيقات الأمن الداخلي باحتجاز السفن التي تنقل نفط طهران غير القانوني في أبريل/نيسان.
الصين أكبر مشتري النفط الإيراني
سجّلت صادرات النفط من إيران إلى الصين أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات عند 1.5 مليون برميل يوميًا في أغسطس/آب رغم العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني؛ ما يشير إلى قدرة إيران على التحايل على العقوبات من خلال نظام تسليم سري تم إنشاؤه خلال سنوات العقوبات الغربية.
ورغم أن المبلغ الدقيق لإيرادات إيران من النفط لا يزال غير معروف؛ فإن التقديرات تتراوح بين 15 مليار دولار و30 مليار دولار سنويًا.
وتُعَد الصين حاليًا ثالث أكبر مستهلك للنفط الإيراني، بعد السعودي والروسي. وتراقب الولايات المتحدة هذه المبيعات بعناية وتفرض عقوبات على أي شخص يحصل على النفط الإيراني.
ويزعم البعض أن تركيز الولايات المتحدة على الانتقام من الأنشطة الروسية في أوكرانيا قد مكّن إيران من زيادة إمدادات النفط إلى الصين والهند وتركيا، في حين أفادت التقارير بأن المملكة العربية السعودية زادت حجم التجارة مع الصين.
تجدر الإشارة إلى أن إيران وضعت عددًا من الإستراتيجيات للالتفاف على القيود والحفاظ على حجم شحناتها النفطية ثابتًا.
ومن خلال عدم فرض العقوبات النفطية والإفراج عن الأصول الإيرانية المجمّدة، منحت إدارة بايدن طهران الوسائل اللازمة لتطوير برنامجها النووي، وتمويل الأعمال التخريبية الإقليمية التي يقوم بها الحرس الثوري الإسلامي، ودعم الجماعات المسلحة الوكيلة؛ حيث لا يزال قطاع النفط في إيران مزدهرًا.
وشهدت صادرات إيران ارتفاعًا مطردًا مع ازدياد إنتاجها من النفط الخام. وفي أول 20 يومًا من شهر أغسطس/آب، شحنت إيران في المتوسط أكثر من مليوني برميل من النفط يوميًا؛ أي بزيادة تزيد على 30% مقارنة بالأشهر العديدة السابقة، وفقًا لموقع تتبُّع الناقلات تانكر تراكر.
وزادت صادرات إيران من النفط والمكثفات بشكل كبير منذ عام 2020، حيث وصلت إلى ما يقرب من مليون برميل يوميًا خلال الربع الأول من عام 2023 على الرغم من العقوبات الأميركية الشديدة.
على صعيد آخر، قد لا تنفذ الولايات المتحدة العقوبات بشكل كامل، ربما لموازنة إمدادات النفط الروسي، ووفقًا لبعض المحللين.
ويُعتَقد أن جزءًا كبيرًا من النفط الإيراني يُنقَل عبر ماليزيا، حيث يتم خلطه مع زيوت أخرى وإعطاؤه علامة جديدة قبل إرساله إلى الصين.
وتدرك الولايات المتحدة هذا النمط وتحاول ممارسة الضغط على الصين لوقف استيراد النفط الإيراني.
وعلى عكس العقوبات الأخرى؛ فإن هذه الصفقة غير القانونية تمنح الولايات المتحدة نقطة نفوذ اقتصادية حاسمة للضغط على إيران ولها تأثير سلبي أكبر في اقتصادها ودخلها.
الانتخابات الأميركية والعقوبات النفطية
تستلزم إستراتيجية الرئيس الأميركي، جو بايدن، للتعامل مع هذه القضية السعي إلى عقد صفقات دبلوماسية مع إيران وفنزويلا لزيادة إنتاجهما من النفط؛ ومن ثم زيادة إمدادات النفط العالمية مع ارتفاع أسعار البنزين إلى أكثر من مستوى 4 دولارات.
وتركز الحكومة على هذه الاتفاقيات الدولية بدلًا من إجراء تعديلات جوهرية على سياسات الطاقة المحلية.
وعلى الرغم من اقتصادها الضعيف، تواصل الصين بناء احتياطياتها النفطية الإستراتيجية؛ ما يزيد من الديناميكيات المعقّدة لأسواق النفط.
في المقابل، تتأثر أسعار النفط بعدة متغيرات، مثل قيود إنتاج أوبك، والصعوبات في صناعة التكرير، وعدم التزام الرئيس بايدن بإعادة ملء الاحتياطي النفطي الإستراتيجي.
وتجري الإدارة الأميركية محادثات مع فنزويلا بشأن إمكان إجراء “انتخابات حرة” مقابل رفع العقوبات النفطية، وهو ما قد يزيد من إمدادات النفط عالميا، لتهدئة مخاوف الناخبين بشأن ارتفاع أسعار البنزين.
ويعتمد سعي الرئيس بايدن المحتمل لإعادة انتخابه في عام 2024 على استقرار أسعار النفط، في حين أدت المفاوضات الجارية مع إيران إلى تخفيف جزئي للعقوبات على واردات النفط الإيرانية؛ ما يعيد تشكيل بيئة سوق الطاقة العالمية.
تحليل
تُظهر قدرة إيران على التهرب من العقوبات الأميركية وزيادة إنتاجها وصادراتها من النفط بشكل كبير نهجًا شاملًا تم تطويره مع مرور الوقت لتجنب التداعيات المالية.
وتُعَد عمليات النقل من سفينة إلى سفينة والتلاعب بجهاز الإرسال والاستقبال لنظام تحديد المواقع (جي بي إس) مجرد مثالين على الإستراتيجيات الإبداعية التي تستعملها إيران للحفاظ على مرونة قطاعها النفطي.
ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من التحديات الناجمة عن العقوبات، تنتج إيران اليوم أكثر من 3.15 مليون برميل يوميًا، وهو إنجاز كبير.
وتظهر صادراتها، التي يقل متوسطها قليلًا عن مليوني برميل يوميًا، رغبة إيران في إيجاد حلول مبتكرة للصمود الاقتصادي على الرغم من ضغوط العالم الخارجي.
ومع تطور هذا الوضع، قرر بعض أعضاء تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط في الوقت نفسه لتحقيق الاستقرار في أسعار السوق.
نظرًا إلى أن إنتاج النفط الإيراني آخذ في الارتفاع في حين يتجه الإنتاج العالمي إلى الانخفاض، فقد ظهرت تساؤلات مشروعة حول مدى استدامة إمدادات الطاقة العالمية نتيجة لهذا الانحدار الجماعي في الإنتاج.
ومن الصعب على اللاعبين في مجال الطاقة التنبؤ بدقة بالأحداث المستقبلية بسبب استمرار حالة الضبايبة المحيطة بالسياسة الأميركية تجاه النفط الإيراني.
خلاصة القول، أكدت قدرة إيران على التحايل على العقوبات الصارمة مدى صعوبة فرض قيود اقتصادية على نطاق عالمي.
ونتيجة للإستراتيجيات المبدعة التي تنتهجها إيران؛ فقد أصبح من الممكن الآن أن تستمر في إمدادات النفط، وخصوصًا إلى الحلفاء المهمين مثل الصين، وهو ما يسلط الضوء على القيود المفروضة على العقوبات.
إلى ذلك؛ فإن عدم قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ موقف واضح وثابت بشأن النفط الإيراني يجعل أسواق الطاقة العالمية أقل قابلية للتنبؤ بها ويقوض فعالية محاولات أوبك+ للسيطرة على إنتاج النفط.
وتنطوي مشاركة إيران المستمرة في سوق النفط على تأثير كبير في الديناميكيات المحلية، وقضايا أمن الطاقة العالمية، وأسعار النفط العالمية.
إضافة إلى ذلك، من الأهمية بمكان النظر في السياق الأوسع للطلب الصيني المتزايد والاستهلاك المحلي المتزايد للنفط في روسيا، وكلاهما له تأثير في ديناميكيات الطاقة العالمية وفاعلية العقوبات.
ويُسلِّط هذا التفاعل المعقّد بين الجغرافيا السياسية والاقتصاد الضوء على مدى تعقيد صناعة النفط في تشكيل صورة الطاقة العالمية.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply