اقرأ في هذا المقال
- الاستقرار الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي لروسيا مرتبطان إلى حد كبير بقطاع الطاقة لديها
- من المتوقع أن تؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية في مسار أسعار النفط العالمية
- موازنة روسيا تعتمد على أسعار النفط التي تتجاوز 70 دولارًا للبرميل
- إستراتيجيات الطاقة الروسية تؤثر بشكل كبير في قازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى
من المتوقع أن تتأثر أسواق النفط والغاز العالمية، إلى حد كبير، بفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.
وبصفتها دولة مصدرة تعتمد على الوقود الأحفوري، فإن الاستقرار الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي لروسيا مرتبطان إلى حد كبير بقطاع الطاقة لديها، ما يجعل أي تحولات في السياسة الأميركية تحمل عواقب مهمة للغاية.
ويستعرض هذا التحليل المسارات المحتملة لصادرات النفط والغاز الروسية، والسياسات المالية المحلية، والعلاقات الدولية في ظل سيناريوهين متناقضين للقيادة الأميركية.
وستتردد نتائج هذه الانتخابات خارج الولايات المتحدة، ما يؤثر في اقتصاد روسيا ودورها في تحالفات الطاقة العالمية ومكانتها في المشهد الجيوسياسي المتطور.
ديناميكيات سوق النفط والانتخابات الأميركية
من المرتقب أن تؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية في مسار أسعار النفط العالمية والإمدادات والعلاقات التجارية.
ويزعم بعض الخبراء الروس أن التأثيرات المباشرة للانتخابات الأميركية في أسواق النفط العالمية قد تكون مبالغًا فيها.
تحولات الطلب العالمي: يواجه الطلب العالمي على النفط تهديدات من السياق الاقتصادي الأوسع، بما في ذلك تباطؤ النمو لدى كبار المستوردين مثل الصين والتداعيات الاقتصادية للتوترات التجارية المتجددة أو القيود التنظيمية.
إنتاج النفط الأميركي وصادراته: مع اقتراب الإنتاج الأميركي من أعلى مستوياته التاريخية والتوسعات الأخيرة في قدرة إنتاج النفط الصخري، يمكن لإدارة ترمب التأثير في أحجام العرض والتصدير، التي تؤدي دورًا حاسمًا في سلسلة التوريد العالمية وتوازن أسعار النفط.
تأثير إدارة ترمب في صادرات النفط والغاز الروسية
تُعطي سياسات الطاقة التي يتبنّاها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الأولوية لتوسيع استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة وحصتها في السوق، مع مراعاة ضئيلة في كثير من الأحيان لمخاوف المناخ.
وقد يكون لموقف ترمب الداعم لإنتاج النفط الأميركي بالحد الأقصى عدة آثار:
زيادة إنتاج النفط الأميركي: إذا استأنف ترمب سياساته التي تشجع على إنتاج النفط الأميركي بالحد الأقصى، فقد تعاني الأسواق العالمية زيادة العرض.
ومن المرجح أن يفرض هذا العرض الزائد ضغوطًا هبوطية على أسعار النفط، ما يقلّل من إيرادات روسيا وغيرها من المنتجين الرئيسين.
ونظرًا إلى أن إدارة ترمب السابقة أعطت الأولوية لاستقلال الطاقة، فقد تبدأ تقديم حوافز ضريبية أو تحرير القيود لتشجيع إنتاج النفط الصخري.
وقد تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى زعزعة استقرار أسعار النفط العالمية، ما يضعف قدرة تحالف أوبك+ على استقرار السوق.
إضعاف التنسيق مع أوبك+: تعتمد روسيا على التنسيق مع أوبك+ لموازنة الأسعار العالمية.
في المقابل، إذا أدت سياسات ترمب إلى إغراق السوق بالنفط الأميركي، فقد يحتاج تحالف أوبك+ إلى فرض تخفيضات صارمة في الإنتاج.
وتتطلّب مثل هذه الإجراءات امتثال روسيا، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات عند حدوث نزاعات داخلية داخل تحالف أوبك+، خصوصًا إذا أعطى بعض الأعضاء الأولوية لحصة السوق على استقرار الأسعار.
عقوبات محتملة على الطاقة الروسية: كان موقف ترمب من روسيا غير متوقع، ويتأرجح بين التواصل الدبلوماسي والعقوبات.
وإذا ظلّت حرب أوكرانيا دون حل، فقد يفرض ترمب عقوبات إضافية على صادرات الطاقة الروسية، ما يؤثر في التمويل والوصول إلى التكنولوجيا.
وهذا من شأنه أن يضاعف الضغوط القائمة من العقوبات الغربية على مشروعات الطاقة الروسية، ما يزيد من اعتماد روسيا على الشراكات التكنولوجية المحدودة و”أساطيل الظل” لتجاوز القيود.
المخاطر الإستراتيجية التي تواجه روسيا بسبب سياسة ترمب:
تقلّب الإيرادات: تعتمد موازنة روسيا على أسعار النفط التي تتجاوز 70 دولارًا للبرميل، وقد يؤدي انهيار الأسعار، كما حدث في عام 2020، إلى ضغوط مالية، ما يجبر روسيا على الاستفادة من صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني أو فرض تخفيضات الإنفاق على القطاعات غير الأساسية.
نزاعات أوبك+: قد تضغط زيادة الإنتاج الأميركي في عهد ترمب على روسيا للدفاع عن تخفيضات أعمق لأوبك+، ما يعرّض للخطر الخلافات طويلة الأمد بين أعضاء التحالف.
أركتيك 2 والعقوبات الأميركية
في أعقاب انخفاض صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، تسعى موسكو إلى توسيع صادرات الغاز المسال.
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات المفروضة على مشروع الغاز المسال أركتيك 2 كانت أداة رئيسة في السياسة الأميركية تجاه روسيا.
وفرضت العقوبات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، قيودًا على الشركات المرتبطة بمشروع إل إن جي أركتيك 2، ما زاد من تعقيد العمليات اللوجستية للمشروع.
وفي الوقت نفسه، تفرض هذه العقوبات تحديات فريدة:
القيود التشغيلية: تحد العقوبات التي تستهدف شركات الخدمات اللوجستية، خصوصًا تلك المرتبطة بالبنية التحتية في القطب الشمالي، من قدرة روسيا على نقل صادرات الغاز المسال وتمويلها.
ويؤثر هذا الاختناق في إستراتيجية الطاقة الأوسع لروسيا، خصوصًا في طريق البحر الشمالي عالي الإمكانات.
الاعتماد على “أساطيل الظل”: بسبب تقييد شبكات الخدمات اللوجستية التقليدية، اعتمدت روسيا كثيرًا على “أسطول الظل” لنقل الغاز المسال.
وتثير هذه الإستراتيجية، رغم أنها ممكنة في الأمد القريب، مخاطر فرض إجراءات صارمة على الدول الوسيطة التي تدعم الشحنات الروسية.
الضغط الاقتصادي على المشروعات عالية التكلفة: يتطلب مشروع الغاز المسال إل إن جي أركتيك 2 تمويلًا كبيرًا، وهو ما تجعله العقوبات أكثر تكلفة وصعوبة من الناحية التشغيلية.
وإذا استمرت العقوبات، فمن المرجح أن تكافح موسكو لجذب الاستثمار أو إيجاد شركاء بديلين لتكنولوجيا الغاز المسال، ما يحد من ربحية المشروع.
دور الصين وأوبك+ في استقرار أسواق النفط
ستؤثر نتائج الانتخابات الأميركية في التوافق الإستراتيجي لروسيا مع الصين وجهود التنسيق لدى أوبك+، وسط تقلب الطلب على النفط وتباطؤ الاقتصاد الصيني:
التوترات التجارية لترمب مع الصين: من المتوقع أن يؤدي فوز ترمب إلى تكثيف الحروب التجارية مع الصين، ما قد يتسبب في تقليص النمو الاقتصادي العالمي والحد من الطلب على الطاقة.
ونظرًا إلى أن الصين مشترٍ رئيس للنفط الروسي، فإن أي تباطؤ في نموها قد يؤثر بشكل مباشر في إيردات التصدير الروسية.
تحديات أوبك+ في سوق متقلبة: بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية، ستواجه أوبك+ تحديات في استقرار الأسعار.
وسيكون دور روسيا داخل أوبك+ محوريًا، إذ قد تحتاج إلى التعامل مع النزاعات الداخلية بشأن مستويات الإنتاج، خصوصًا إذا أعطت المملكة العربية السعودية الأولوية لحصة السوق على استقرار الأسعار.
التداعيات على قازاخستان وآسيا الوسطى
تؤثر إستراتيجيات الطاقة الروسية بشكل كبير في قازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى، خصوصًا في السيناريو الذي تؤدي فيه الانتخابات الأميركية إلى زعزعة استقرار سوق النفط.
وترتبط صحة قازاخستان الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا بإيرادات النفط، وعملتها المتأثرة بالتحولات في أسعار النفط العالمية:
الميزان التجاري لقازاخستان: من المحتمل أن يؤدي الانخفاض المحتمل في أسعار النفط إلى 50 دولارًا للبرميل، في ظل سياسات الإنتاج النشطة لترمب إلى الإضرار بإيرادات قازاخستان من التصدير، وإضعاف عملتها وزيادة الضغوط التضخمية.
وقد يؤدي هذا إلى تشديد السياسات المالية وزيادة الإنفاق الحكومي على جهود الاستقرار.
التنسيق مع أوبك+: بصفتها مشاركًا في تحالف أوبك+، من المرجح أن تدعم قازاخستان روسيا في الدعوة إلى خفض الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار، لكنها ستواجه ضغوطًا داخلية للحفاظ على استقرار الإنتاج لتلبية احتياجات الموازنة.
التنويع المحتمل: إذا استمرت أسعار النفط المنخفضة، فقد تعمل قازاخستان على تسريع الجهود الرامية إلى تنويع اقتصادها، بما يتماشى مع المبادرات الإقليمية الأوسع نطاقًا للطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
التداعيات على قطاع الطاقة الروسي والموقع الجيوسياسي
من المتوقع أن يواجه قطاع الطاقة في روسيا، في عهد ترمب، سياسة أميركية معادية محتملة، مع زيادة المنافسة، وتجدد العقوبات، وتقلب أسعار النفط.
لذلك، ستحتاج روسيا إلى التكيف من خلال زيادة تعاونها مع الشركاء غير الغربيين، خصوصًا الصين والهند، والاستفادة من اللوجستيات البديلة لصادرات الطاقة.
من ناحية ثانية، قد يحد هذا الاعتماد من المرونة الإستراتيجية لموسكو ويزيد من ضعفها في مواجهة التحولات في هذه العلاقات.
التوقعات الإستراتيجية لروسيا:
تعزيز شراكات الطاقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: مع احتمالات تقلب السياسة الأميركية، ستعزز روسيا تحالفاتها مع الصين والهند، وتستكشف اتفاقيات التجارة طويلة الأجل في مجال الطاقة والمشروعات المشتركة في آسيا.
الاستثمار في البنية التحتية للطاقة المتجددة والغاز المسال: للتحوط ضد انخفاض الوقود الأحفوري العالمي، ستستثمر روسيا بصورة أكبر في مشروعات الغاز المسال ومصادر الطاقة المتجددة، وربما تسعى إلى شراكات تكنولوجية ومالية غير غربية لتجنب مخاطر العقوبات الأميركية.
الإصلاحات المالية والتنويع الاقتصادي: يتطلب اعتماد روسيا على إيردات النفط إصلاحات مالية قوية.
وسيعزّز تنفيذ موازنة مضادة للدورة الاقتصادية والتنويع في قطاعات مثل التكنولوجيا والتصنيع والزراعة مرونة روسيا الاقتصادية.
الاستفادة من أوبك+ بوصفها أداة جيوسياسية: سيكون استمرار دور روسيا داخل أوبك+ أمرًا بالغ الأهمية لاستقرار أسعار النفط.
وسيسمح التعاون الفعّال مع المملكة العربية السعودية وأعضاء تحالف أوبك+ الآخرين لروسيا بالتغلب على التوترات الداخلية في التحالف والحفاظ على النفوذ الإستراتيجي على سياسة الطاقة العالمية.
وفي الختام، سوف يتردّد صدى تأثير الانتخابات الأميركية في قطاع الطاقة الروسي في الأسواق العالمية، ما يؤثر في سلاسل التوريد والتحالفات والسياسات المالية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply