ترتبط أسعار النفط العالمية ارتباطًا وثيقًا بالدولار، إذ إن العملة الأميركية تعدّ وسيلة الدفع الرئيسة والتاريخية كذلك، لا سيما أن ارتباط أسعار العقود الآجلة لخامي غرب تكساس الوسيط وبرنت وثيق وغير قابل للفك.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن هناك مستجدات حدثت في الآونة الأخيرة، تعدّ مهمة جدًا في شرح تغير العلاقة بين الدولار والنفط، وكذلك عملات منطقة الخليج.
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج “أنسيات الطاقة“، قدّمها الدكتور أنس الحجي بمنصة “إكس” (تويتر سابقًا) بتاريخ 7 مايو/أيار (2024) بعنوان “لماذا تغيرت العلاقة بين أسعار النفط والدولار والعملات الخليجية؟”.
وقال الحجي، إنه -تاريخيًا- عندما اكتُشف النفط وبدأ الترويج له، كانت هناك مادة واحدة فقط مهمة، وهي “الكيروسين”، الذي كان يُستعمل في الإضاءة، فكانت هذه المادة تؤخذ من النفط بحدود 10 أو 15% من الإنتاج فقط، والباقي كان يُتَخلص منه، لذلك انتشرت “سبخات النفط” في كل الولايات المكتشف بها، لا سيما في بنسلفانيا وأوهايو.
تاريخ استغلال النفط بالكامل
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إنه مع تأسيس شركة “ستاندرد أويل” على يد رجل الأعمال الأميركي روكفلر، ركّز على فكرة مهمة، وهي أن لديه ما بين 85 و90% من المنتج يُتخلَّص منه، رغم أنه دفع تكاليفه، أي تكاليف استخراجه من الأرض، فلماذا لا تكون له استعمالات أخرى؟.
وأضاف: “من هنا طورت شركته الشحوم من النفط، أي إن كل ما نسمع عنه بشأن التشحيم واستعمالاته طوّرته شركة ستاندرد أويل في البداية للاستفادة منه، وبمرور الزمن، بدأت الاستفادة من النفط بالكامل، إذ إن كل الكميات المنتجة تُستَعمَل في منتجات”.
ولكن، وفق الدكتور أنس الحجي، الفكرة هنا أن المنتج الذي يباع في الأسواق كان الكيروسين، ومن ثم فإن السعر المحدد كان لهذه المادة، ولا يوجد ما يسمى أسعار النفط الخام، الذي كان يباع بين المنتجين، ومن يرغب بتسويقه كان يشتريه بطرق أخرى، لأن النفط لم يكن في الأساس -حينها- سلعة عالمية.
ومن ثم، كان النفط يباع في الولايات المتحدة بالدولار، بينما كان يباع في أماكن أخرى، عند تشغيل هذه الصناعة، حسب العملاقة المحلية، ولكن لم يكن هناك سعر واحد، إلّا أن الأمر تغيّر بالكامل مع سيطرة الشركات، التي كانت معروفة باسم “الأخوات الـ7” على صناعة النفط العالمية، وأصبح هناك تسعيرًا.
وفسّر الحجي ذلك بأن الناس لا يستعملون النفط الخام، ولكنهم يستعملون المنتجات النفطية، ومن ثم عندما سيطرت الأخوات الـ7 على الصناعة بالكامل من المنبع حتى المصب، أي من عمليات الاستكشاف حتى بيعه في صورة بنزين وديزل وشحوم وغيرها، كانت هناك أسعار في السوق لهذه المنتجات.
وتابع: “لكن في الوقت نفسه لم يكن هناك ما يسمى أسعار النفط الخام، لأن الشركة التي تستخرجه هي نفسها التي تستعمله، حتى عندما كان يحدث تبادل بين الشركات كان يجري من خلال اتفاقات، ولكن عمومًا لم يكن النفط الخام تاريخيًا ولعقود عديدة مسعرًا، وهو ما أدى إلى إشكال لاحقًا”.
أزمة عدم تسعير النفط
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن عدم تحديد أسعار النفط في البداية تسبَّب بإشكال، وهو أنه في دول الخليج أو إيران أو فنزويلا، أو أيّ دول سمحت للشركات الأجنبية بالتنقيب عن النفط مقابل أموال، فإن هذه الأموال تنقسم إلى جزأين، الأول تحصل عليه الحكومة عن توقيع العقد، والثاني مرتبط بكمية الإنتاج.
لكن، إذا كانت الشركة المتعاقدة مع الحكومة متكاملة رأسيًا، وفي الوقت نفسه لا يوجد سعر محدد للنفط الخام، فكيف ستدفع هذه الشركات الضرائب؟ وكيف ستدفع الريع؟ لذلك اتُّفِق على ما يسمى السعر المعلَن لعدّة عقود، إذ كان هناك سعر للنفط الخام اسمه السعر المعلَن لا علاقة له بالسوق على الإطلاق.
وأضاف: “إذا أراد الباحثون وطلاب الماجستير والدكتوراه البحث عن البيانات التاريخية، فإنهم سيجدون دائمًا أن هناك بيانات للسعر المعلن، وهذه لم تعبّر عن سعر السوق على الإطلاق، فهو متفق عليه ليكون استرشادًا في دفع الضرائب، وقد يكون سعر السوق أعلى أو أقل منه”.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن أسعار النفط حينها لم تكن معلومة، لأن الشركات ضمنتها في أقسام، فلأسباب ضريبية في الولايات المتحدة كان هناك قسم يبيع النفط إلى قسم آخر، وهناك إشكال هنا، أن أغلب الأقسام ضمن الشركات تبيع بأسعار مخفضة جدًا لأسباب ضريبية بحتة.
لذلك، لم تكن أسعار النفط محددة لمدة زمنية طويلة، ولم يكن هناك سعر حقيقي في السوق، ومن ثم كان أيّ تعامل حسب العملات المتاحة حينها، وحسب المكان، ولكن كل ما يتعلّق بالولايات المتحدة كان يُدفع بالدولار، ومع الزمن أصبحت سوق النفط عالمية، وانفصلت عندما انهار نظام الشركات الـ7، وعندما انهار دور مصلحة سكك حديد تكساس في السيطرة على الصناعة.
وحينها، وفق الحجي، بدأت صناعة النفط تنفصل، إذ أصبح بالإمكان أن توجد شركة لديها مصافٍ، بينما شركة أخرى تنتج النفط فقط، وبدأت حركات التحرر في الدول المنتجة للنفط التي تحركت نحو الاستقلال، لتبدأ عمليات التأميم وتتفكك الصناعة، ليظهر موضوع التسعير.
ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أنه مع الزمن كانت هناك عدّة طرق للدفع، لكن لم تكن هناك سوق واضحة للنفط، ثم بدأت معالم هذه السوق تتبلور في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ثم بدأت الأسواق الفورية والأسواق المستقبلية وغيرها.
وتابع: “كان الدولار الأميركي هو الخيار الأمثل لكل هذه الأسواق، ولكن ذلك لم يكن بسبب وجود أكبر بورصة عالميًا في نيويورك، أو لأن أميركا تاريخيًا كانت أكبر منتج للنفط في العالم، ولكن لأن الأمر الأسهل للجميع كان التعامل بالدولار”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply