اقرأ في هذا المقال
- بلغاريا تتحرك نحو تنويع إمداداتها من الطاقة وتقليل خضوعها للتأثيرات الخارجية
- الحظر يضاهي عقوبات الاتحاد الأوروبي من خلال قطع مصدر كبير للدخل عن روسيا
- شركة لوك أويل تدرس بيع ممتلكاتها في بلغاريا، ولا سيما مصفاة نفتوتشيم
- يعكس تحرك بلغاريا لحظر شراء النفط الروسي استجابتها للظروف الجيوسياسية السائدة
بعد مراجعة متعمقة لسياستها في مجال الطاقة، قررت بلغاريا قطع علاقاتها مع صادرات النفط الروسية، وأقرّ البرلمان البلغاري، في 1 يناير/كانون الثاني 2024، قيدًا شاملًا يحظر تصدير البنزين المصنوع من النفط الروسي.
في الأول من مارس/آذار 2024، ستتوقف مصفاة التكرير الرئيسة في بلغاريا، المحطة التابعة لشركة لوك أويل الروسية (Lukoil) في مدينة بورغاس البلغارية، عن معالجة الخام الروسي.
ويشير هذا الإجراء التشريعي إلى تحول عن دعم بلغاريا السابق لاستثناء المفوضية الأوروبية الذي يسمح بواردات محدودة من النفط الروسي حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، ويؤكد موقف البلاد القوي المناهض للاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية.
في الوقت نفسه، يسلّط القرار، الذي اتخذه البرلمان البلغاري بإلغاء رسوم العبور على واردات الغاز الطبيعي الروسي، الضوء على تحول البلاد الإستراتيجي عن الاعتماد على الطاقة الروسية.
الضغوط الناجمة عن العقوبات الأوروبية والدولية
يُعدّ قرار بلغاريا بتقييد واردات النفط الروسية جزءًا من استجابة البلاد للإطار الأوسع لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، خصوصًا بالنظر إلى أنشطة روسيا في أوكرانيا.
وكان الحدّ من اعتماده على إمدادات الطاقة الروسية يشكّل أولوية قصوى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، من أجل تقويض مكانة روسيا الاقتصادية وقدرتها على تمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وتشارك بلغاريا في الاستجابة الأوروبية المشتركة للأزمة الأوكرانية من خلال دعم هذه التدابير.
مكاسب روسيا المالية
جلبت الثغرة، التي سمحت بمعالجة النفط الروسي وشحنه من بلغاريا، لروسيا نحو مليار يورو (1.08 مليار دولار)، وأثّرت، إلى حدّ كبير، في قرار بلغاريا.
وقد نشرت التقارير الاستقصائية هذه المعلومات علنًا، وأظهرت مدى فائدة الصفقة ماليًا لروسيا، ومن ثم مساعدتها بشكل غير مباشر في عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وتعرضت الحكومة البلغارية لضغوط لإزالة هذه الثغرة، قبل الموعد النهائي المقرر أصلًا، بسبب الاستجابة السياسية والشعبية لهذه الوقائع.
أمن الطاقة والجوانب المالية
من المعقول أن نفترض أن قرار بلغاريا تأثّر بالعوامل الاقتصادية وعوامل أمن الطاقة.
ومن أجل تقليل اعتمادهم على الغاز والنفط الروسيين، يعمل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء -بما في ذلك بلغاريا- على تنويع إمداداتهم من الطاقة.
ويُعدّ هذا المسعى أحد مكونات خطة أكبر لتحسين استقرار الطاقة وأمنها في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية.
بدورها، تتحرك بلغاريا نحو تنويع إمداداتها من الطاقة، وتقليل خضوعها للتأثيرات الخارجية، من خلال حظر شراء النفط الروسي.
مدى تأثر مصفاة لوك أويل في بلغاريا
ستتأثر أكبر مصفاة في جنوب شرق أوروبا، مصفاة نفتوتشيم التابعة لشركة لوك أويل الروسية، بشكل كبير بقرار بلغاريا التوقف عن استيراد النفط الروسي في مارس/آذار 2024.
وتبحث المصفاة، التي اعتمدت تاريخيًا على النفط الروسي، حاليًا عن مورّدَين بديلين، وتواجه عقبات تشغيل كبيرة.
مصفاة لوك أويل نيفتوتشيم بالقرب من مدينة بورغاس في بلغاريا – المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية
وقد يتعين على المصفاة أن تبحث في خيارات بعيدة، مثل الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا في ظل وجود بدائل، مثل الخام القازاخستاني، المطلوب في أماكن أخرى، وقد تحتاج إلى تعديلات لوجستية كبيرة.
على صعيد آخر، تتعرض شركة لوك أويل الروسية لضغوط مالية بسبب هذا التحول، إذ إن العثور على مصادر بديلة قد يكون أكثر تكلفة بسبب طرق الشحن الطويلة، أو إجراءات التكرير المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحظر يضاهي عقوبات الاتحاد الأوروبي من خلال قطع مصدر كبير للدخل عن روسيا.
ونتيجة لذلك، تدرس شركة لوك أويل بيع ممتلكاتها في بلغاريا، ولا سيما مصفاة نفتوتشيم، ما يشير إلى تحرك إستراتيجي محتمل بعيدًا عن قاعدة التشغيل الحيوية للاتحاد الأوروبي.
ومن شأن مثل هذا الإجراء أن يسلّط الضوء على الصعوبات التي تواجهها الشركات الروسية في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن التأثيرات الأوسع لعقوبات الاتحاد الأوروبي على مصالح الطاقة الروسية.
وقد يكون لاستغناء المصفاة عن الخام الروسي آثار أوسع بأمن الطاقة وأسواق البنزين في المنطقة.
وقد تنطوي التغيرات في عمليات المصفاة على تأثير في توافر الوقود وتكلفته، لأنها تُعدّ المورد الرئيس للبنزين والديزل للمنطقة.
في هذا الإطار، تتماشى سياسة الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقًا المتمثلة في تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية مع محاولات بلغاريا لتنويع إمداداتها من الطاقة، ما يُظهر أهمية هذا التحول لدى الأسواق المحلية وديناميكيات الطاقة الإقليمية.
تأثُّر دول الاتحاد الأوروبي بحظر النفط الروسي
يتأثر الاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع بالحظر الذي فرضته بلغاريا على واردات النفط الروسية، فهو يقترح، أولًا، استجابة أكثر تماسكًا من جانب الاتحاد الأوروبي للأنشطة الروسية في أوكرانيا، ربما من خلال تحريض الأعضاء الآخرين على تعزيز أنظمة العقوبات لديهم ضد الحكومة الروسية.
إضافة إلى ذلك، فإن التنافس على إمدادات النفط غير الروسية في سوق الطاقة الأوروبية قد يزداد مع بحث بلغاريا عن مصادر جديدة، ما قد يؤثّر في التكاليف والوفرة لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
من ناحية ثانية، يمثّل الإجراء الذي اتخذته بلغاريا معيارًا لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي تفكر في اتخاذ إجراءات مماثلة ضد واردات الطاقة الروسية، أو تلك التي تتمتع حاليًا بإعفاءات من عقوبات الاتحاد الأوروبي.
ويُظهر هذا الإجراء الاستعداد لتحمّل تضحيات محلية مؤقتة في خدمة أهداف جيوسياسية أكبر، والتأثير في المناقشات بشأن أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي والعقوبات ضد روسيا.
وقد يساعد ذلك في تعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي، من خلال إظهار أن الدول التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية مستعدة لإجراء إصلاحات كبيرة.
في المقابل، ولأن الحظر يلغي ثغرة كبيرة تسمح بمعالجة النفط الروسي وتصديره من بلغاريا، فإنه يؤثّر في مصادر الإيرادات الروسية.
ويتماشى هذا مع هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في قطع الموارد المالية عن روسيا، وهو ما قد يُضعف مكانة روسيا الاقتصادية، ويؤثّر في مسعى الاتحاد الأوروبي المشترك لمواجهة الأعمال العسكرية الروسية.
وتؤكد خطوة بلغاريا أهمية أمن الطاقة وضرورة تنويع مصادر الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يدفع الدول الأعضاء الأخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة.
الغاز المسال الأميركي
أدت وفرة الغاز المسال من الولايات المتحدة دورًا مهمًا بتعزيز أمن الطاقة في بلغاريا، ومع تنويع مصادر إمدادات الغاز الطبيعي، قللت البلاد من اعتمادها على المورّدين التقليديين، وخصوصًا روسيا.
وتوفر صادرات الغاز الطبيعي الأميركية لبلغاريا بديلًا للغاز الروسي، ما يقلل من التعرض لانقطاعات الإمدادات المحتملة والضغوط الجيوسياسية.
ومن خلال الوصول إلى مجموعة أكثر تنوعًا من مورّدي الغاز المسال، بما في ذلك الولايات المتحدة، عززت بلغاريا أمن الطاقة لديها وحسّنت موقفها التفاوضي في عقود توريد الغاز.
بالإضافة إلى ذلك، تسهم صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال بتعزيز المنافسة في سوق الغاز الطبيعي الأوروبي، ودعم الشفافية، وفي نهاية المطاف إفادة المستهلكين في بلغاريا، وفي جميع أنحاء المنطقة، ومع استمرار بلغاريا في إعطاء الأولوية لأمن الطاقة وسعيها إلى التخفيف من المخاطر الجيوسياسية، فإن التنويع من خلال واردات الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة يظل عنصرًا رئيسًا في إستراتيجية الطاقة لديها.
استجابة بلغاريا للظروف الجيوسياسية السائدة
يعكس تحرك بلغاريا الأخير لحظر شراء النفط الروسي استجابتها للظروف الجيوسياسية السائدة، وفرض العقوبات الدولية ضد روسيا.
ويؤكد هذا القرار انحياز بلغاريا لأهداف الاتحاد الأوروبي والتزامها بمعالجة الصراع في أوكرانيا، ويشير إلى الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية الرامية إلى تقليص الدعم المالي للأنشطة العسكرية الروسية، وتمتد الآثار المترتبة على هذا الإجراء إلى ما هو أبعد من حدود بلغاريا، مع تأثيرات كبيرة في أمن الطاقة الإقليمي وديناميكيات السوق، وعلى وجه التحديد، يمثّل الحظر تحديات لوجستية وتشغيلية ومالية لمصفاة نفتوتشيم، التي تديرها شركة لوك أويل.
إلى جانب ذلك، فهو يسلّط الضوء على الجهود الأوسع التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية ومعالجة المخاوف الجيوسياسية الأكبر.
ويُظهر استكشاف بلغاريا لواردات الغاز المسال من الولايات المتحدة، بصفته بديلًا للنفط الروسي، تحوُّلها الإستراتيجي نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على روسيا.
خلاصة القول، يؤثّر قرار بلغاريا بحظر واردات النفط الروسية في سياسة عقوبات الاتحاد الأوروبي، وديناميكيات سوق الطاقة، والمبادرات الجارية الرامية إلى الحفاظ على أمن الطاقة وتنويع مصادرها، وينعكس على تماسك سياسة الاتحاد الأوروبي، والتضامن، والعلاقات الدبلوماسية الإقليمية.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001“.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply