على الرغم من أن أسعار النفط لم تكن مرتبطة بالدولار الأميركي في بداية ظهور الصناعة وخروجها إلى النور، فإن الارتباط بينهما في بداياته شهد أزمات عدة، إذ كانت عملة الولايات المتحدة مؤثرة في النفط.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن الدولار -تاريخيًا- كان مرتبطًا بالذهب، وفي مرحلة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كان سعر أوقية الذهب رسميًا نحو 35 دولارًا، ومع الزمن انفك الارتباط بينهما، وأصبحت العملة الأميركية حرة.
وقال -خلال حلقة من برنامج “أنسيّات الطاقة“، قدّمها عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا) بعنوان “لماذا تغيّرت العلاقة بين أسعار النفط والدولار والعملات الخليجية؟”-، إن الدول النفطية في هذه المرحلة واجهت مشكلة كبيرة.
وأضاف: “حينها بدأ التضخم وانهار الدولار، لذلك انخفضت القيمة الحقيقية للنفط، وبدأت مشكلة تسعير النفط بالدولار تظهر، وأجرت منظمة أوبك بحوثًا سرية وعلنية، للتوصل إلى حلول للأزمة، وأصبحت العملة الأميركية والنفط محل نقاشات الجميع، وكان الدولار متهمًا بأنه سبب الكارثة، ويجب تغيير التسعير إلى عملات أخرى”.
لكن، وفق الحجي، بعد سنوات من البحوث السرية والعلنية، وبمساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين وبيوت استشارية أخرى، تبيّن أنه لا يوجد بديل للدولار.
لماذا تغيّرت علاقة أسعار النفط بالدولار؟
يقول الدكتور أنس الحجي، إن هناك تغيرات حصلت أخيرًا وغيّرت العلاقة بين أسعار النفط والدولار، ولكن في البداية لم تكن هناك علاقة بينهما، حتى حدثت الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وأضاف: “بعد حدوث هذه الأزمة التي امتدت إلى 2009، ظهرت علاقة جلية وواضحة، وهي علاقة عكسية على المدى القصير، فإذا ارتفع الدولار يهبط النفط، وإذا انخفض الدولار يزيد، وبعدها لمدة قصيرة ترسخت هذه العلاقة بصورة كبيرة، وأصبحت تظهر بصفة يومية”.
وأكد الدكتور أنس الحجي، أنه على المستوى النظري يُعد هذا الكلام غير منطقي، إذ لا يوجد في النظرية الاقتصادية ما يدعم فكرة وجود العلاقة العكسية بين أسعار النفط والدولار، ولكن هذه الفكرة أصبحت فجأة منتشرة عند التجار والمحللين، وأصبحت العلاقة العكسية تظهر دائمًا على المدى القصير.
وتابع: “بالطبع كانت هناك إشكالية كبيرة في الأمر، إذ إنه -نظريًا- لا يوجد أي إثبات، في حين عمليًا بالنظر إلى البيانات نجد علاقة عكسية بين الدولار والنفط، لأن النفط يُسعّر بالدولار، ولكن على المدَيْين المتوسط والطويل، ولا توجد أي علاقة على المدى القصير”.
وتساءل الحجي: في ضوء هذا.. كيف نفسّر البيانات؟ هناك تقريبًا بين عامي 2008 و2013 بيانات قوية جدًا وإثباتات قوية على العلاقة العكسية.. فماذا حصل؟ ليجيب بأنه في أثناء الأزمة المالية العالمية انهار كل شيء، بما في ذلك سوق العقارات التي كانت سبب الأزمة من الأساس، وهو ما فاقم الأزمة المالية على مستويات عديدة.
وفسّر ذلك بأنه -عادة- عندما تنهار الأسواق المالية والأسهم، يهرب المضاربون والمستثمرون إلى الملاذات الآمنة، وأهمها العقارات، لكن سوق العقارات انهارت، وسوق الذهب تدور حولها تساؤلات، والأسواق المالية كذلك منهارة، فلم يكن هناك خيار غير الاستثمار في السلع ومنها النفط.
وهنا، وفق الدكتور أنس الحجي، بدأت العلاقة بين الدولار وأسعار النفط، ولكن الأزمة أنه بعد مدة اقتنع الناس بأن العلاقة العكسية بينهما موجودة، فجرى إدخالها في برامج الحواسيب، التي تتم من خلالها حاليًا أغلب التعاملات في البورصات، إذ يشتري “الكمبيوتر” ويبيع.
كيف تغيّرت العلاقة بعد 2021؟
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن إدخال العلاقة العكسية بين أسعار النفط والدولار إلى برامج الحواسيب أصبح سببًا في شراء التجار كلما انخفض الدولار، ومن ثم تم تأكيد هذه العلاقة، لأن هناك من برمج الحواسيب بهذه الصورة، ولكن الحقيقة على أرض الواقع أن الأمور لم تكن كذلك.
لذلك، بعد 3 أو 4 سنوات، اتضح أن هذه العلاقة العكسية غير صحيحة على الإطلاق، وتغيرت برامج الحواسيب بناء على ذلك، وحُذفت الفكرة من كثير من البرامج، لأن كثيرًا من الأشخاص حققوا خسائر كبيرة من اعتمادهم عليها.
وأضاف: “لم تكن هناك علاقة واضحة على المدى القصير بين أسعار النفط والدولار، وهناك علاقة سلبية على المدَيْين المتوسط والطويل، والمفاجأة الآن أنه منذ عام 2021 حتى الآن انتهت هذه العلاقة العكسية تمامًا، وأصبحت علاقة طردية إيجابية، فإذا ارتفع الدولار ارتفع معه النفط”.
وأوضح الدكتور أنس الحجي، أن هناك سبيين رئيسين لتغير العلاقة بين أسعار النفط والدولار بعد 2021، لافتًا إلى أن العلاقة الأصلية النظرية التي أُثبتت علميًا بالأرقام أن هناك علاقة عكسية بينهما على المديين المتوسط والطويل، وهذه ما زالت موجودة، لكن هناك ظاهرة جديدة سيجري توضيحها.
وتابع: “ما حدث هو أن الولايات المتحدة زادت إنتاجها النفطي بصورة كبيرة، بسبب ثورة النفط الصخري، وهذه الزيادة كانت كبيرة جدًا، وحققت تغيرات كبيرة جدًا في العالم، لدرجة أنها غيّرت العلاقة بين الدولار وأسعار النفط”.
ولفت إلى أن ثورة النفط الصخري الأميركية بدأت في عام 2010، وحينها بدأ إنتاج الولايات المتحدة يزداد، في حين كان هناك قرار رئاسي منذ عام 1974 يمنع تصدير النفط الأميركي، ولأن أميركا تستورد ولا تصدر، فلم ينتبه أحد إلى ذلك القانون.
وأردف: “لكن بعد ثورة النفط الصخري وزيادة الإنتاج، أصبحت هناك مشكلة، وهي أن النفط الصخري جاء بكميات كبيرة من النفط الخفيف الحلو والنفط الخفيف جدًا، وكل المنتجات الخفيفة، في حين الطاقة الاستيعابية للمصافي الأميركية لهذا النوع من النفط محدودة، وبما أن النفط يُمنع تصديره، عملت المصافي على إحلاله محل الواردات من تلك النوعية.
ولفت إلى أن الدول التي كانت تصدر هذا النوع من النفط إلى أميركا -تاريخيًا- كانت الجزائر ونيجيريا، وكلتاهما من دول أوبك، وأحيانًا ليبيا، ولكن بسبب المقاطعة كانت إمداداتها متقطعة، لذلك عندما بدأت المصافي الأميركية تخفّض وارداتها من هذه الدول، وبدأت تستعمل النفط المحلي، نفدت كل طاقتها الاستيعابية.
كيف تأثرت الجزائر ونيجيريا
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إنه لم تعد لأي زيادة إنتاجية سوق داخل الولايات المتحدة، وبما أنه ممنوع تصدير النفط الأميركي، حدث أمران، الأول تسبب في مشكلة لمنظمة أوبك، إذ خلق “انفصامًا”، لأن هناك دولًا خسرت سوقها في الولايات المتحدة، ودولًا أخرى لم تخسر سوقها.
وأوضح أن بعض الدول لم تخسر سوقها، لأنها تصدر النفط المتوسط والثقيل الحامض الذي ما زالت أميركا تحتاج إليه وتشتريه على كل الحالات، في حين في الوقت نفسه، دول مثل نيجيريا والجزائر خسرت سوقها تقريبًا بالكامل داخل أميركا، ومضطرة إلى التحول إلى مناطق أخرى، وبالتالي بدأت دول أوبك تتنافس لبيع هذا النوع من النفط بالذات.
الأمر الآخر، وفق الدكتور أنس الحجي، أن شركات النفط الأميركية ضغطت بقوة على حكومة باراك أوباما وبايدن -حينها- حتى وافقت على تصدير النفط الأميركي في ديسمبر/كانون الأول 2015، وبدأ التصدير من ذلك الوقت، لتقفز الصادرات الأميركية من صفر إلى نحو 6 ملايين برميل يوميًا.
وأضاف: “التطورات التي حصلت هنا أن الولايات المتحدة خفّضت وارداتها من النفط بصورة كبيرة، فتحسّن ميزان المدفوعات الميزان التجاري، ما قدم دعمًا للدولار، لكن مع زيادة إنتاج النفط وزيادة الصادرات بصورة كبيرة -خاصة في مدة حكم ترمب وبايدن- أصبحت الوفورات بسبب انخفاض الواردات وتصدير النفط كبيرة جدًا، لدرجة أن الميزان التجاري تحسّن بمقدار 38 مليار دولار شهريًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply