اقرأ في هذا المقال
- من المتوقع أن يواجه قطاع الطاقة في إيران تحديات كبيرة بحلول عام 2031
- نقص تمويل الاستثمار والعقوبات يعوق قدرة إيران على تعزيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي
- انتخاب بزشكيان كان سببًا في ارتفاع التوقعات بحدوث تحول عملي في سياسات الطاقة الإيرانية
- رئاسة بزشكيان تمثّل فرصة بالغة الأهمية لإعادة تشكيل مشهد الطاقة في إيران
من المتوقع أن يواجه قطاع الطاقة في إيران تحديات كبيرة بحلول عام 2031، بما في ذلك النقص اليومي المتوقع في الغاز بنحو 800 مليون متر مكعب خلال أوقات ذروة الشتاء، إلى جانب نقص البنزين بنحو 70-80 مليون لتر يوميًا، وقد يصل العجز في الكهرباء إلى 80 غيغاواط.
ويمثّل انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران منعطفًا حاسمًا في سياسة الطاقة التي تنتهجها البلاد وسط صعوبات عديدة، أهمها العقوبات الغربية ونقص الغاز وانقطاع الكهرباء.
وما يزيد من تعقيد هذه مشكلات الطاقة في إيران اعتماد طهران الكبير على النفط المستهلك محليًا، ما يستلزم استيرادًا محتملًا لنحو 500 ألف برميل يوميًا.
وتتطلب معالجة تحديات الطاقة في إيران، في ظل قيادة بزشكيان، مبادرات إستراتيجية مثل رفع العقوبات، وإقامة شراكات عالمية، وتعيين قادة أكفاء داخل وزارة الطاقة.
إدارة قطاعات النفط والغاز والكهرباء
اتّسمت الأساليب، التي اتّبعتها الحكومات السابقة في قطاعات النفط والغاز والكهرباء، بالقصور والأخطاء، الأمر الذي يعكس الحاجة الملحة إلى إصلاح شامل لضمان ممارسات الطاقة المستدامة.
وتشير تقديرات إلى أن هناك حاجة إلى ما يقرب من 400 مليار دولار من استثمارات الطاقة في إيران، لتحديث البنية التحتية وتعزيز التعاون مع أصحاب المصلحة المحليين والشركات الأجنبية.
ويُعدّ تحديد الأولويات الفعالة والتخطيط الإستراتيجي أمرًا بالغ الأهمية للتخفيف من وطأة التحديات الحالية وتأمين استقرار الطاقة على المدى الطويل.
من جهتها، زعمت الحكومة السابقة أن لديها خطة لزيادة إنتاج النفط إلى 4 ملايين برميل يوميًا، وهو رقم مرتفع لم تحققه إيران حتى قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليها في عام 2018.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ادّعى وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، أن البلاد كانت تنتج 3.4 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، أي بزيادة نحو 1.2 مليون برميل يوميًا عمّا كانت عليه في منتصف عام 2021.
ورغم ذلك، قدّرت منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية إنتاج البلاد من النفط الخام عند 3.1 مليون برميل يوميًا، في سبتمبر/أيلول الماضي، في حين أعلن أوجي عن مستوى إنتاج قدره 3.3 مليون برميل يوميًا لذلك الشهر.
وعلى الرغم من ازدياد إنتاج النفط وصادراته منذ أواخر عام 2020، عندما غيّرت الإدارة الأميركية الجديدة نهج واشنطن تجاه إيران، فإن نقص تمويل الاستثمار والعقوبات تعوق قدرة إيران على تعزيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي.
وفي الوقت نفسه، زاد الاستهلاك المحلي من النفط والغاز، ما أدى إلى نقص الطاقة خلال أشهر الشتاء ومحدودية القدرة على التصدير، وخصوصًا الغاز الطبيعي.
سياسة جديدة للطاقة؟
كان انتخاب بزشكيان سببًا في ارتفاع التوقعات بحدوث تحول عملي بسياسات الطاقة في إيران، إذ يهدف بزشكيان -وهو إصلاحي- إلى تخفيف القيود الاجتماعية، وإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتبنّي موقف أكثر تصالحًا في السياسة الخارجية.
في المقابل، ستتأثر مبادراته في مجال الطاقة في إيران بصورة كبيرة بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي والقوى المحافظة.
ومن الأولويات الرئيسة لبزشكيان إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 لتخفيف التوترات مع الدول الغربية، واحتمال رفع العقوبات الدولية، الأمر الذي سيفيد الاقتصاد الإيراني وقطاع الطاقة.
ويسعى الرئيس المنتخب إلى زيادة صادرات النفط الإيرانية إذا رُفِعت العقوبات، على الرغم من المعارضة المحتملة للقوى المتشددة والمرشد الأعلى.
وفي مجال الطاقة المتجددة، تخطط حكومة بزشكيان لزيادة الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتنويع مزيج الطاقة في إيران، وتعزيز الاستدامة وأمن الطاقة، وقد يكون التقدم تدريجيًا بسبب قيود البنية التحتية والقيود السياسية.
وتعهَّد بزشكيان بإجراء إصلاحات لمكافحة سوء الإدارة الاقتصادية والفساد في قطاع الطاقة في إيران، بهدف تحقيق قدر أكبر من الكفاءة والشفافية، على الرغم من أن المصالح الراسخة قد تقاوم.
ومن الممكن أن تعمل إيران على تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع الدول المجاورة، وخصوصًا في حقول النفط والغاز المشتركة، على الرغم من التوترات الإقليمية.
رغم ذلك، فإن النهج المعتدل الذي ينتهجه بزشكيان يصطدم بالواقع السياسي المعقّد في إيران، إذ يتمتع المرشد الأعلى والقوى المحافظة بنفوذ كبير في سياسة الطاقة.
وفي ظل حكومة بزشكيان، تهدف إيران إلى تعزيز إنتاج النفط والغاز بصورة كبيرة من خلال المبادرات الإستراتيجية.
ويشمل ذلك جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية للوصول إلى مستويات إنتاج النفط اليومي البالغة 4.5 مليون برميل، ما قد يجعل إيران رائدة إقليميًا في صادرات النفط.
وترتكز هذه الخطة الطموحة على رفع العقوبات، وتبنّي تقنيات جديدة، وتكثيف العمليات في حقول النفط المشتركة.
من ناحية ثانية، تخطط الحكومة لاستغلال حقول الغاز المشتركة وزيادة الإنتاج في الحقول القائمة باستثمارات محلية وأجنبية.
وتوجد خطط لتحويل صناعة النفط إلى إدارة القطاع الخاص، على الرغم من استمرار المخاوف بشأن احتمال سيطرة شبه الدولة بدلًا من الخصخصة الحقيقية.
وتعتمد إستراتيجية بزشكيان على زيادة إنتاج النفط والغاز الإيراني، من خلال الاستثمارات الإستراتيجية وجهود الخصخصة وإجراءات الحدّ من الطلب المحلي، ويعكس هذا نهجًا شاملًا للتعامل مع مشهد الطاقة في إيران، وسط متغيرات سياسية صعبة.
توليد الكهرباء
من المتوقع أن تتحول سياسة الطاقة في إيران، بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان، نحو توجّه أكثر واقعية ودبلوماسية، وخصوصًا فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
وفي حين يخطط بزشكيان للتركيز بصورة أكبر على الطاقة المتجددة، والاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة لتنويع مزيج الطاقة في إيران، فقد يسعى إلى توسيع برنامج الطاقة النووية الإيراني لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. لكن من المرجّح أن تكون وتيرة هذا التحول تدريجية بسبب القيود المفروضة على سلطته.
وتستعد رئاسة مسعود بزشكيان لإحداث تحول عملي في المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى العالمية، لا سيما فيما يتعلق بالاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأعرب بزشكيان عن دعمه القوي لإعادة تفعيل خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تخلّت عنها الحكومة السابقة.
ويعتقد الرئيس المنتخب أن استعادة هذا الاتفاق يمكن أن تخفف التوترات مع الدول الغربية، وتقلل الأثر الاقتصادي الشديد للعقوبات في إيران.
ومن المتوقع أن يسعى بزشكيان، بصفته زعيمًا إصلاحيًا، إلى المزيد من التواصل الدبلوماسي مع الغرب، مقارنة بسلفه المتشدد.
على صعيد آخر، انتقد بزشكيان النهج غير المرن الذي اتّبعته الحكومة السابقة تجاه المحادثات النووية المتوقفة. وعلى الرغم من أن تأثير بزشكيان في السياسة النووية محدود، فإنه قادر على تشكيل إستراتيجية التفاوض الإيرانية، واعتماد نهج متصالح، لتسهيل إعادة تفعيل خطة العمل الشاملة المشتركة وتخفيف العقوبات.
إلى جانب ذلك، سوف يؤدي بزشكيان دورًا مهمًا في اختيار خليفة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يتمتع بالسلطة المُطلقة على شؤون الدولة، بما في ذلك السياسة النووية.
ويمكن لمشاركته في هذه العملية أن تؤثّر بالتوجه النووي الإيراني المستقبلي.
بدوره، يعترف بزشكيان بالقيود التي تفرضها سلطة خامنئي الشاملة، وتأثير القوى المحافظة داخل الإطار السياسي الإيراني.
وقد تعهَّد بعدم معارضة سياسات خامنئي، واعترف بحدود سلطته في مجالات محددة. ومع أن بزشكيان يهدف إلى تبنّي نهج أكثر واقعية في التعامل مع سياسة إيران النووية وعلاقاتها الدولية، فإن مدى إصلاحاته سوف يتشكل وفقًا للديناميكيات السياسية المعقّدة في إيران وهيمنة القوى المحافظة.
ومن المقرر أن تعطي رئاسة بزشكيان الأولوية لمعالجة أوجه قصور مجال الطاقة في إيران والتحديات ذات الصلة، وهي جوانب مهمة بالنسبة للحكومة الـ14 في البلاد.
وشدد بزشكيان، خلال المناظرات الاقتصادية، على التوزيع العادل لدعم الطاقة للحدّ من الهدر وضمان العدالة.
وأكد أهمية التبرير العام والقبول لأيّ تعديلات على أسعار البنزين أو الجهود المبذولة لمعالجة عدم كفاءة الطاقة، داعيًا إلى اتخاذ القرار التشاركي بشأن الإجراءات أحادية الجانب، إذ عارض بشدة الزيادات المفاجئة في أسعار البنزين، مؤكدًا الالتزام بالأطر القانونية.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد بزشكيان هدر الطاقة بين الأثرياء، واقترح إصلاحات في تخصيص الدعم، بناءً على المشورة القانونية ورأي الخبراء.
وسلّط الضوء على الحاجة إلى العدالة في توزيع الدعم، وتساءل عن الأساس المنطقي وراء تقديم دعم متساوٍ للكهرباء للأفراد الذين يعانون من ظروف معيشية مختلفة إلى حدّ كبير.
ويؤكد هذا النهج التزام بزشكيان بالحوكمة الشفافة والشاملة في سياسة الطاقة، والتغلب على التحديات المحتملة للقوى الراسخة والمشهد السياسي المعقّد في إيران.
أهمية الطاقة المتجددة
من المتوقع، في ظل قيادة بزشكيان، أن تعطي إيران الأولوية لتطوير قطاع الطاقة المتجددة لديها، ما يمثّل تحولًا إستراتيجيًا نحو زيادة الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتهدف هذه الخطوة إلى تنويع مزيج الطاقة في إيران، بعيدًا عن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري والطاقة النووية، ما قد يؤدي إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز، مع تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية.
ومن المرجّح الانتقال إلى الطاقة المتجددة بحذر، بسبب التحديات التي تفرضها القوى المتشددة ونفوذ آية الله خامنئي، الأمر الذي قد يحدّ من سلطة بزشكيان على قرارات سياسة الطاقة.
وقد يستكشف بزشكيان فرص التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، بما في ذلك مشروعات الطاقة المتجددة المشتركة مع الدول المجاورة، التي يمكن أن تعزز نفوذ إيران الإقليمي، على الرغم من أن التوترات الجيوسياسية قد تحدّ من نطاقها وتنفيذها.
وبالنظر إلى استعداد رئاسة بزشكيان لرفع مستوى تركيز إيران على الطاقة المتجددة، فمن المتوقع أن تتكشف تغييرات كبيرة في مشهد الطاقة تدريجيًا، ما يعكس الديناميكيات السياسية المعقّدة داخل إيران.
خاتمة
تمثّل رئاسة مسعود بزشكيان لحظة محورية في مسار الطاقة في إيران، ويعود ذلك إلى التزامه القوي بمعالجة أوجه القصور التاريخية وعدم المساواة في قطاع الطاقة.
وتدلّ دعوته إلى التوزيع العادل لإعانات الدعم واتخاذ القرار الشامل على الخروج عن النهج السابق، الذي يهدف إلى ضمان توافق تعديلات السياسات مع المصالح العامة والأطر القانونية.
ومن خلال تأكيد الشفافية والمشاركة الواسعة في الحكم، يهدف بزشكيان إلى استكشاف المشهد السياسي المعقّد في إيران، مع تعزيز ثقة الجمهور والمشاركة في إصلاحات سياسة الطاقة.
وفي صميم سياسة بزشكيان، تكمن حملة كبيرة لتوسيع قطاع الطاقة المتجددة في إيران، ولا سيما من خلال زيادة الاستثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويسعى هذا التحول الإستراتيجي إلى تقليل اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري والطاقة النووية، ومن ثم تعزيز أمن الطاقة واستدامتها.
إلى جانب ذلك، فإن العملية الانتقالية تواجه تحديات هائلة، بما في ذلك مقاومة القوى المحافظة والقيود الناجمة عن نفوذ المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
وعلى الرغم من هذه العقبات، فإن النهج الاستباقي الذي يتّبعه بزشكيان بالتعاون الإقليمي في مجال الطاقة، لا سيما من خلال مشروعات الطاقة المتجددة التعاونية مع الدول المجاورة، يقدّم سبلًا محتملة لتعزيز نفوذ إيران الإقليمي، مع ترسيخ مصالح الطاقة المتبادلة.
وبالتطلع إلى المستقبل، تمثّل رئاسة بزشكيان فرصة بالغة الأهمية لإعادة تشكيل مشهد الطاقة في إيران نحو مزيد من التنوع والإشراف البيئي.
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، وتعزيز الشراكات الدولية، وتنفيذ الإصلاحات التي تعطي الأولوية للمرونة الاقتصادية ولأمن الطاقة الإيراني على المدى الطويل.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001“.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ في هذا المقال..
Leave a Reply