اقرأ في هذا المقال
- • النفط الروسي ظل عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة لدى المجر
- • اعتماد المجر على النفط الروسي يُعد أمرًا أساسيًا لفهم موقفها
- • الفرع الجنوبي من خط أنابيب دروجبا يزود المجر وسلوفاكيا بالنفط الروسي المكرر محليًا
- • أرباح تصدير النفط في روسيا انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير 2024
شهد يوم التاسع من سبتمبر/أيلول 2024 تطورًا مهمًا في أوروبا الشرقية، كان بطله خط أنابيب دروجبا، عندما وافقت أوكرانيا على استئناف عبور النفط إلى المجر وسلوفاكيا.
وتسمح هذه الاتفاقية، التي جرى تأمينها من خلال شركة النفط المجرية إم أوه إل MOL، بمرور النفط عبر أوكرانيا، مع تولي الشركة المجرية ملكية النفط على الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا، وتحل هذه الصفقة مأزقًا طويل الأمد نشأ عن العقوبات الأوكرانية ضد شركة لوك أويل Lukoil الروسية.
من جهته، أوضح رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، أن الصفقة تناسب أوكرانيا، لأن النفط يُعد الآن أوروبيًا وليس روسيًا، وتتلقى أوكرانيا سعرًا سوقيًا للعبور عبر خط أنابيب دروجبا.
وتتعمّق هذه المقالة في السياق الجيوسياسي وتداعيات هذا القرار، وتحليل دوافع أوكرانيا ومخاوف المجر بشأن الطاقة والعواقب الإقليمية الأوسع.
الخطوة المدروسة لأوكرانيا.. عملية موازنة
يُعد قرار أوكرانيا بإلغاء حظر عبور النفط من روسيا إلى المجر خطوة جيوسياسية محسوبة بعناية، ويوازن بين الضغوط الاقتصادية الداخلية والتوترات الدبلوماسية الخارجية.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، استفادت كييف من مكانتها بصفتها دولة عبور رئيسة لموارد الطاقة، خاصة عبر خط أنابيب دروجبا، ففرضت قيودًا على نفط شركة لوك أويل الروسية في يوليو/تموز 2024.
وكانت هذه العقوبات جزءًا من سياسة أوكرانيا الأوسع نطاقًا لإضعاف القوة الاقتصادية الروسية، وتقليص قدرة موسكو على تمويل حملتها العسكرية من خلال صادرات الطاقة.
في المقابل، خلق تقييد العبور احتكاكًا مع المجر، وهي عضوة في الاتحاد الأوروبي وحافظت على علاقات أكثر دفئًا نسبيًا مع روسيا.
وقد حصلت المجر، إلى جانب سلوفاكيا، على إعفاء من عقوبات الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي حتى نهاية عام 2025، وهو ترتيب خاص سمح للبلدين بالحفاظ على أمن الطاقة في خضم سوق عالمية مضطربة.
وبموافقتها على استئناف عبور النفط بشرط شرائه من جانب شركة إم أوه إل المجرية، وجدت أوكرانيا وسيلة للحفاظ على سياسة العقوبات مع تأمين الإيرادات التي تحتاج إليها بشدة من رسوم العبور.
ويشير هذا الحل الوسط إلى النهج الواقعي الذي تتبناه أوكرانيا، إذ تتحد الضرورات الاقتصادية، خصوصًا الحاجة إلى العملات الأجنبية في زمن الحرب، مع الإستراتيجيات الدبلوماسية للحفاظ على الدعم الأوروبي دون تنفير المجر المجاورة.
معضلة الطاقة في المجر.. الاعتماد على النفط الروسي
يُعد اعتماد المجر على النفط الروسي، خصوصًا من خلال خط أنابيب دروجبا، أمرًا أساسيًا لفهم موقفها.
فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، سعت المجر إلى تنويع إمداداتها من الطاقة، لكن النفط الروسي ظل عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة لديها.
ويزوّد الفرع الجنوبي من خط أنابيب دروجبا المجر وسلوفاكيا بالنفط الروسي المكرر محليًا الضروري للحفاظ على أنشطة اقتصادهما.
وقد اتخذت حكومة المجر، بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، خطوات حذرة تتوافق مع عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا وتحافظ على أمنها الوطني في مجال الطاقة.
وفي يوليو/حزيران 2024، عندما منعت أوكرانيا عبور نفط لوك أويل، واجهت المجر تهديدًا بأزمة طاقة حادة.
بدورها، سعت حكومة أوربان في البداية إلى تدخل الاتحاد الأوروبي، لكن المفوضية الأوروبية رفضت إلغاء عقوبات أوكرانيا، ما أدى إلى تصاعد التوترات بين المجر وبروكسل.
وبعد فشلها في إيجاد حل سريع من خلال الاتحاد الأوروبي، استكشفت المجر طرقًا بديلة لنقل النفط، بما في ذلك بلغاريا، لكنها وجدت أنها غير مجدية من الناحية اللوجستية أو الاقتصادية.
ويؤكد رفض بودابست لعرض كرواتيا بسبب زيادة 5 أضعاف في تعرفات النقل تعقيد الموقف.
وفي النهاية، لجأت المجر إلى اتفاق مباشر مع أوكرانيا، متجاوزة كلًا من الاتحاد الأوروبي وروسيا.
ومن خلال نقل ملكية النفط إلى شركة إم أوه إل على الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا، ضمنت المجر استمرار إمدادات النفط دون انتهاك العقوبات الأوكرانية.
وتسلّط هذه الصفقة الضوء على قدرة المجر على التعامل مع المعطيات الجيوسياسية المعقدة، وتحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي واحتياجاتها من الطاقة.
السياق الجيوسياسي الأوسع
يحمل استئناف عبور النفط عبر خط أنابيب دروجبا تداعيات كبيرة على المشهد الجيوسياسي الأوسع، خصوصًا فيما يتعلق بسياسات الطاقة في الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية الجارية.
وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، يؤكد هذا التطور على ضعف التكتل عندما يتعلق الأمر بالاعتماد على الطاقة.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية قطعت خطوات واسعة نحو الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، فإن حاجة المجر إلى الحفاظ على إمدادات النفط عبر خط أنابيب دروجبا تعكس اعتمادًا مستمرًا على الوقود الروسي.
بالإضافة إلى ذلك، يتداخل هذا الوضع مع الديناميكيات المتطورة للحرب الروسية الأوكرانية. وكما لاحظ الخبراء، فإن تدفق النفط الروسي إلى أوروبا لا ينفصل عن الأبعاد الجيوسياسية الأوسع للحرب.
وجاء تعطيل عبور النفط في يوليو/تموز الماضي، في أعقاب محاولة أوربان للتوسط في الصراع من خلال التعامل مع القوى العالمية الرئيسة، بما في ذلك روسيا والصين.
وقد عُدت جهود أوربان الدبلوماسية محاولة لفرض دور المجر بصفتها صانع سلام، وإن كانت النتائج مختلطة.
وتشير الموافقة على الترتيبات الحالية لنقل النفط إلى استعداد أوكرانيا لتقديم تنازلات تكتيكية تخدم مصالحها الوطنية في حين تواصل الضغط على روسيا.
من جهة ثانية، يشير هذا الاتفاق إلى أن أوكرانيا تدرك أهمية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الأوروبي، خصوصًا في دول مثل المجر، إذ قد يؤدي انعدام أمن الطاقة إلى الاضطراب السياسي المحلي وتحولات محتملة في السياسة الخارجية.
الاعتبارات الاقتصادية والإستراتيجية
من منظور اقتصادي، فإن الاتفاق مفيد لأوكرانيا، وسوف تتلقى البلاد سعر السوق لنقل النفط، ما يولد عائدات ضرورية للغاية لاقتصادها المتدهور نتيجة للحرب.
وكان الدافع وراء القرار في المقام الأول هو الجانب المالي للصفقة، الذي يسمح لأوكرانيا بالاستفادة من الاستعمال المستمر لبنيتها التحتية للنقل، وفقًا للمسؤولين الأوكرانيين.
ويساعد هذا الإجراء أوكرانيا على الحفاظ على مصداقيتها، كونها دولة نقل موثوقة في نظر شركائها الأوروبيين.
بالنسبة إلى المجر، تمثّل الصفقة خطوة حاسمة في الحفاظ على أمن الطاقة في ظل الأسواق العالمية المتقلبة. وأسهم سعر نفط الأورال الروسي، الذي يدور حول 60 دولارًا للبرميل بسبب سقف الأسعار الذي حددته مجموعة الـ7، في تقلبات تكاليف الطاقة في المجر.
إلى جانب ذلك، يضمن تأمين إمدادات مستقرة من النفط عبر خط أنابيب دروجبا استمرار مصافي التكرير بالمجر في العمل، وتجنب الصدمات الاقتصادية المحتملة.
ويُعد سعر خام الأورال الرائد في روسيا مستقرًا حاليًا عند نحو 60 دولارًا للبرميل، وهو ما يتماشى مع سقف السعر الذي فرضته دول مجموعة الـ7 في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وبدءًا من الأسبوع الماضي، لم يتجاوز متوسط سعر النفط المصدر من حوض البلطيق 60.12 دولارًا للبرميل، ما يدل على انخفاض أسبوعي بنحو 6.30 دولارًا.
وعلى الرغم من الزيادة الطفيفة في حجم صادرات النفط الروسية -ما يصل إلى 21.99 مليون برميل جرى تحميلها بين 2 سبتمبر/أيلول و8 سبتمبر/أيلول الجاري- فإن انخفاض الأسعار منعت روسيا من الاستفادة من الارتفاع.
لذلك انخفضت أرباح تصدير النفط في روسيا إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير/شباط 2024؛ إذ بلغت 1.51 مليار دولار أسبوعيًا.
ويمثّل هذا انخفاضًا كبيرًا عن يونيو/حزيران 2022، عندما بلغت عائدات النفط الأسبوعية 2.17 مليار دولار قبل سريان سقف سعر مجموعة الـ7.
ورغم أن أسواق التصدير الرئيسة لروسيا تظل في آسيا، خصوصًا الصين والهند، فإن الديناميكيات المتغيرة للطلب العالمي على النفط، تحديدًا في ظل المخاوف من تباطؤ الاقتصاد وانخفاض الطلب من الصين، تشير إلى مزيد من الضغوط على الأسعار.
ويتوقع المحللون أن تظل سوق النفط في نطاق 60 إلى 70 دولاراً للبرميل في المستقبل المنظور، وهو ما يشير إلى نهاية محتملة لعصر هيمنة الهيدروكربون بحلول عام 2030، حسبما توقعت شخصيات بارزة في الصناعة.
التداعيات الجيوسياسية والآفاق المستقبلية
يحمل رفع الحظر عن عبور النفط من روسيا إلى المجر عبر أوكرانيا تداعيات جيوسياسية كبيرة.
فمن ناحية، يوضح هذا النهج الواقعي الذي تتبناه أوكرانيا في التعامل مع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة.
ومن خلال العمل مع المجر، نجحت أوكرانيا في تأمين عائدات العبور دون المساس بسياسة العقوبات الأوسع نطاقًا ضد روسيا.
ومن ناحية أخرى، أظهرت المجر أنها قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة وتأمين احتياجاتها من الطاقة على الرغم من التوترات مع أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن استئناف عبور النفط يثير تساؤلات حول مستقبل أمن الطاقة في أوروبا.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يواصل الضغط لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، تظل دول مثل المجر تعتمد على الهيدروكربونات الروسية.
وقد يؤدي هذا الاعتماد إلى إحداث انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتحول إمدادات الطاقة إلى أداة للضغط الجيوسياسي.
وفي نهاية المطاف، يعمل الاتفاق بين أوكرانيا والمجر كونه تذكيرًا بأن الطاقة والسياسة والحرب متشابكة بصورة عميقة.
وفي ظل تحول المشهد العالمي للطاقة واستمرار الحرب الروسية، سوف تحتاج أوكرانيا والمجر إلى الحفاظ على المرونة في نهجهما، وتحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والحقائق الجيوسياسية الأوسع.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply