في 7 أكتوبر/تشرين الأول (2023)، انطلقت صواريخ حماس من قطاع غزة، حاملة معها مخاوف البعض من ارتفاع أسعار النفط، وآمال آخرين في تحقيق مكاسب، قبل أن تسقط الصواريخ داخل إسرائيل، وتتفجر معها مخاوف الأسواق العالمية.
وبينما كان المحللون يحاولون تهدئة الرأي العام العالمي في قطاع الطاقة، ووضع الأمور في نصابها الطبيعي، بأن الخلاف داخل مساحة محدودة، كان الإعلام العالمي يمارس ضغوطًا، لتصوير الصراع على أنه يشمل الشرق الأوسط بالكامل، وهو المنطقة التي يأتي منها أكثر من نصف إمدادات النفط العالمية.
وحتى الآن، لم تشهد أسعار النفط القفزة التي كان بعضهم يأمل رؤيتها في وقت قريب، إذ ظلّت تتراوح بين حاجزي 86 و90 دولارًا للبرميل، ولم تصل إلى حدود الـ100 دولار بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي تناولتها تقارير اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
يشار إلى أن آخر إغلاق للتعاملات قبل انطلاق حرب غزة كان يوم الجمعة 6 أكتوبر/تشرين الأول، إذ سجل خام برنت نحو 84.58 دولارًا للبرميل، في حين حقق خام غرب تكساس الوسيط نحو 82.79 دولارًا للبرميل.
تحليل أسعار النفط
في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انتهت عطلة أسواق الطاقة، وعادت جلسات تعاملات أسواق النفط العالمية، لتشهد ارتفاعًا بنسبة 4% بختام التعاملات، إذ سجلت العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم ديسمبر/كانون الأول 2023- زيادة بنسبة 4.22%، لتصل إلى 88.15 دولارًا للبرميل.
كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2023- بنسبة 4.33%، ليصل سعر برميل النفط الأميركي إلى نحو 86.38 دولارًا، وفق الأرقام التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم استمرار التصعيد بين حركة حماس وإسرائيل، شهد اليوم التالي، 10 أكتوبر/تشرين الأول، تراجع أسعار النفط في ختام التعاملات، إذ انخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم ديسمبر/كانون الأول 2023- بنسبة 0.56%، إلى 87.65 دولارًا للبرميل.
بينما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2023- بنسبة 0.5%، محققًا نحو 85.97 دولارًا للبرميل، وهو ما منح انطباعًا للأسواق بأن الحرب لن يكون لها أثر كبير في الأسعار.
وعن أسباب هذا الارتفاع المؤقت، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن الإعلام الغربي كان له دور، إذ خرجت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بشكل مفاجئ يوم الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول، بتقرير يتحدث عن اجتماع بين الإيرانيين وحزب الله في لبنان.
وأوضح الحجي، خلال حلقة من برنامجه “أنسيات الطاقة“، في منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن أسعار النفط ارتفعت بعد هذا التقرير بنحو 5%، أي ما يزيد عن 4 دولارات، ولكنها انخفضت بعدها، ما أشار إلى عدم تصديق الناس للخبر، الذي استهدفت الصحيفة أن يؤثّر في الأسواق بشكل معين.
تراجع طفيف رغم الاستقرار
بينما كانت الأسواق تحاول الحفاظ على استقرارها، شهدت أسعار النفط تراجعًا طفيفًا في 11 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما تزامن مع صدور توقعات أميركية حول الطلب في عامي 2023 و2024، الأمر الذي خفّف من ضغوط المعارك المستمرة بين حركة حماس وإسرائيل.
وفي هذا اليوم، تراجعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم ديسمبر/كانون الأول 2023- بنسبة 2.1%، إلى 85.82 دولارًا للبرميل، بينما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2023- بنسبة 2.9%، إلى 83.49 دولارًا للبرميل.
أمّا تعاملات يوم الخميس 12 أكتوبر، فقد جاءت متقلبة بشكل واضح، بالتزامن مع تصعيد إسرائيل إجراءاتها ضد الفلسطينيين، ومحاولات التدخل من جانب دول عربية، مما أثار تكهنات بشأن إمكان إدخال النفط طرفًا في معادلة حل النزاع.
وارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت، تسليم ديسمبر/كانون الأول، بنسبة 0.2%، لتصل إلى 86 دولارًا للبرميل، بعدما كانت فوق 87 دولارًا خلال التعاملات، مقابل تراجع العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط، تسليم نوفمبر/تشرين الثاني، إلى 82.91 دولارًا للبرميل، بعدما وصل إلى 85 دولارًا خلال الجلسات.
وشهدت نهاية تعاملات يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول -وهي ختام اليوم والأسبوع معًا- ترقبًا كبيرًا من جانب التجّار والمضاربين، مما منح أسعار النفط دفعة كبيرة، قادتها إلى الارتفاع بنسبة 6%، لتسجل مكاسب أسبوعية قوية، بعد تشديد أميركا برنامج العقوبات على صادرات الخام الروسية.
ومع استمرار حرب غزة، قفزت أسعار العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 5.7%، لتصل إلى 90.89 دولارًا للبرميل، مسجلة مكاسب أسبوعية بنسبة 7.4%، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط، بنسبة 5.8%، إلى 87.69 دولارًا، مسجلة مكاسب أسبوعية بنسبة 6%، وفق أرقام اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
حرب غزة والتوقعات المستقبلية
بينما كانت المعارك في غزة عنوانًا رئيسًا في صحف الغرب، كانت إدارة الطاقة الأميركية ترفع توقعات أسعار النفط في العام المقبل 2024، بجانب استمرار الخفض الطوعي للإنتاج في السعودية، بما عزز تقديرات إنتاج الخام الأميركي خلال 2023.
وتوقعت الإدارة الأميركية أن يبلغ متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط نحو 90.91 دولارًا للبرميل خلال 2024، بزيادة 9.2% على توقعات سبتمبر/أيلول 2023، البالغة 83.22 دولارًا للبرميل، وفق الأرقام التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ولفت مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي إلى أن ما يحدث في غزة لا يترك أثرًا حقيقيًا في أسواق النفط أو أسواق الطاقة، لأن الطرفين (غزة وإسرائيل) لا ينتجان النفط، كما أن استهلاكهما له قليل جدًا.
ومن ثم، وفق الدكتور أنس الحجي، كان المتوقع أن يسمع بعض التجّار في الصين أو اليابان أو هونغ كونغ الأخبار، ويكون هناك تخوّف من نقص الإمدادات، بما يحرك أسعار النفط بشكل طفيف، لا سيما أن بعض وسائل الإعلام يختزل الشرق الأوسط كلّه فيما يحدث في غزة.
وأضاف: “يتكلمون عن الحرب في غزة بوصفها حربًا في الشرق الأوسط، وفي ذهن الإنسان الغربي أن الشرق الأوسط مرتبط بشكل دائم بموضوع النفط، لذلك فإنه يفكر بالأثر السلبي في الإمدادات، ومن ثم ضرورة ارتفاع أسعار النفط”.
أثر ضعيف، إلّا إذا..
توقّع محللون وخبراء أن الحرب بين إسرائيل وحماس لن ترفع أسعار النفط، إلّا في حالة تدخُّل إيران بصورة أو بأخرى، من خلال عرقلة الملاحة في مضيق هرمز، مؤكدين أن عملية “طوفان الأقصى” تختلف عن كل ما سبقها، ما يدفع إسرائيل لإمطار القطاع بالصواريخ والقنابل، والغارات الجوية.
ويرى محللون أن الحرب الدائرة حاليًا تعدّ ثاني أسوأ المخاطر الجيوسياسية على أسواق الطاقة، بعد غزو روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وفق التقرير الذي نشرته رويترز، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويأتي الخطر، وفق الخبراء، من إمكان أن يمتد أثر هذه الحرب إلى المنتجين الكبار في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من أن إسرائيل ليست منتجًا مؤثرًا للنفط في أسواق الطاقة مثل روسيا، وهي الرؤية التي تتعارض مع عدم تأثّر إمدادات النفط من منتجي الشرق الأوسط.
وأرجع الخبراء هذا الرأي إلى أسباب عديدة، من بينها إمكان زيادة أميركا العقوبات الاقتصادية ضد إيران، التي لم تتمكن من اتهامها علانية بدعم الهجمات الفلسطينية، الأمر الذي قد يمثّل ضغطًا إضافيًا على الإمدادات.
بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن تؤدي هذه العقوبات الإضافية إلى ردّ إيراني، يتمثل بتضييق حركة الملاحة في مضيق هرمز، ما يعوق وصول خام جاراتها من دول الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية.
ويختلف مع هذه الرؤية الدكتور أنس الحجي، الذي يرى أن إيران لا يمكنها إغلاق مضيق هرمز لأسباب عديدة، من بينها أن المضيق تمرّ منه معظم واردات طهران الغذائية، الأمر الذي يهدد الشعب الإيراني بالجوع، كما أن إغلاقه يعدّ تحديًا لسيادة سلطنة عمان على حدودها البحرية ومياهها الإقليمية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply