اقرأ في هذا المقال
- التوترات الجيوسياسية تؤثر في سوق النفط العالمية
- شهدت صادرات النفط الروسية هبوطًا بواقع 260 ألف برميل يوميًا في مايو (2023)
- تستحوذ الصين والهند على ما لا يقل عن 56% من إجمالي الصادرات الروسية
- بلغت واردات النفط الخام الصينية 11.4 مليون برميل يوميًا
- سوق النفط الروسية تأثرت كثيرًا بالتوترات الجيبوسياسية والعقوبات الاقتصادية
تشهد صناعة النفط العالمية اضطرابات مستمرة، تُفاقمها التوترات الجيوسياسية والتحولات الإستراتيجية في مواقف الدول الكبرى المُنتجة للنفط الخام.
وفي خضم تلك التطورات، شهدت صادرات النفط الروسية هبوطًا بواقع 260 ألف برميل يوميًا في مايو/أيار (2023)، مُسجلة 7.8 مليون برميل يوميًا، دون أي تغيير افتراضي مقارنة بالمدة ذاتها من العام الماضي (2022).
وتكشف النظرة المتفحصة في البيانات أداءً متفاوتًا، مع ارتفاع صادرات النفط الخام الروسية بواقع 90 ألف برميل يوميًا، لتصل إلى 5.2 مليون برميل يوميًا، في حين سجلت صادرات المشتقات النفطية هبوطًا كبيرًا، قُدّر بـ350 ألف برميل يوميًا، لتستقر عند 2.6 مليون برميل يوميًا.
نصيب الأسد للصين والهند
يدل التوزيع الجغرافي لتلك الصادرات على تحولها شرقًا، مع استحواذ الصين والهند على ما لا يقل عن 56% من إجمالي صادرات النفط الروسية.
ورغم تباطؤ نموها الاقتصادي، تحظى الصين بواردات نفط قياسية، مستغلة انخفاض تكلفة الخام الروسي، في تعزيز احتياطياتها وزيادة صادرات المشتقات النفطية.
وتسلّط تلك الظروف الضوء على تأثير العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، في سوق النفط العالمية، ما يمنح بكين ميزة مزدوجة تتمثل في استهلاك الخام منخفض الثمن محليًا، وفرصة تعزيز الصادرات.
وفي النصف الأول من العام الجاري (2023)، بلغت واردات النفط الخام الصينية 11.4 مليون برميل يوميًا، بزيادة 11.7% على أساس سنوي، وارتفاع 15.3% مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كورونا “كوفيد-19”.
في غضون ذلك، شكّلت صادرات النفط الروسية إلى أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية 12% أخرى، ما يشير إلى تزايد تنوع قاعدة عملاء الخام الروسي.
ويعكس هذا التوجه إستراتيجية موسكو لمقاومة تداعيات العقوبات الغربية، وحظر النفط، عبر استكشاف العلاقات التجارية وتعزيزها مع البلدان غير الغربية.
هبوط الأسعار
رغم الأداء الجيد نوعًا ما في حجم الصادرات، شهدت إيرادات صادرات النفط الروسية هبوطًا حادًا، وانخفضت بمقدار 1.4 مليار دولار أميركي، إلى 13.3 مليار دولار أميركي، بانخفاض نسبته 36%، قياسًا بالمدة ذاتها قبل عام.
ويُعزى هذا الانخفاض في الإيرادات، بوجه عام، إلى هبوط متوسط أسعار الخام، التي نزلت من 60 دولارًا للبرميل في أبريل/نيسان (2023) إلى 55 دولارًا للبرميل في مايو/أيار (2023).
ويعكس هذا الانخفاض في أسعار النفط الطبيعة المتذبذبة لسوق النفط العالمية، وتأثرها بالعوامل المختلفة، مثل الطلب المتقلب وعدم اليقين الجيوسياسي، إلى جانب التداعيات الحالية ذات الصلة بجائحة كورونا.
كما من المهم ملاحظة أن هذا الانخفاض في أسعار النفط قد جاء في الوقت الذي تتنامى فيه الجهود العالمية الرامية للتحول صوب استعمال الطاقة المتجددة، ما يضع مزيدًا من التحديات أمام الاقتصادات المعتمدة على النفط مثل روسيا.
وعلاوة على ذلك، تعرّضت صادرات النفط الروسية لهزة قوية في يونيو/حزيران (2023)، إذ هوت بنحو 600 ألف برميل يوميًا إلى 7.3 مليون برميل يوميًا.
وفي 12 يوليو/تموز (2023)، اخترق سعر خام الأورال -مزيج الصادرات الرئيس لروسيا- سقف أسعار النفط المُحدد من قبل مجموعة الدول الـ7 عند 60 دولارًا للبرميل، ليحوم قرابة 65 دولارًا للبرميل.
وقد شجع هذا الاختراق لسقف أسعار النفط روسيا على إعادة ضبط موسع للنفط وعمليات الشحن في بحر البلطيق والبحر الأسود.
مخاوف ناقلات النفط
رصدت شركة “بي آر إس شيبروكرز” العاملة في مجال وساطة السفن، توجهًا سائدًا يتمثل في امتناع مالكي ناقلات النفط اليونانية عن نقل براميل الخام الروسي، ما يقود بدوره إلى هبوط أسعار الشحن بالنسبة إلى الناقلات من طرازي “أفراماكس” و”سويزماكس”.
وما أشعل الشرارة الأولى لهذا التحول هو القرار الإستراتيجي الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بخفض إنتاج الخام، ما قاد بدوره إلى حراك صعودي في أسعار النفط الروسي.
ومع تجاوز الأسعار من المواني الغربية لروسيا السقف السعري، تزايد إحجام مالكي ناقلات الخام عن نقل براميل النفط الروسي.
وبدوره، سيقود التخارج الجماعي لمالكي ناقلات النفط اليونانية من تجارة النفط الروسي، إلى رفع الأقساط الخاصة بشحن الخام الخاضع للعقوبات.
بل والمثير أن امتناع مالكي ناقلات النفط اليونانية عن السير في طرق التجارة الروسية، قد زاد الانقسام بين ناقلات الخام في المواني الواقعة على بحر البلطيق والبحر الأسود والمحيط الهادئ.
وبدأ مزودو الخدمات البحرية الغربيون في تجنب المواني الروسية الواقعة على المحيط الهادئ، في حين تشكّل ناقلات النفط المملوكة لليونان نصف إجمالي الناقلات التي ترسو في المواني الـ5 التي تطل على بحر البلطيق والبحر الأسود، والتي يُباع فيها النفط بأقل من السقف السعري المُحدد.
ومع ذلك تواصل الناقلات المملوكة ملكية روسية بالكامل، أو حتى المملوكة لكيانات مجهولة، الهيمنة على مواني المحيط الهادئ.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج أوبك+ من النفط الخام:
العقوبات الغربية وسقف الأسعار
تشهد تدفقات تجارة النفط العالمية تحولًا كبيرًا في الوقت الراهن، وسط الحظر العالمي المفروض على صادرات الطاقة الروسية.
وسُحب نحو 2.5 مليون برميل يوميًا من الخام الروسي من أوروبا وبلدان مجموعة الـ7، في حين اضطرت منتجات نفطية إضافية تُقدر بمليوني برميل يوميًا، إلى البحث عن أسواق جديدة.
وقد أسهم الحظر المفروض على الخام والمنتجات النفطية الروسية من قبل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى سقف أسعار مجموعة الـ7، في تسهيل تغيير مسارات التدفقات النفطية، وتقليل خسائر الإنتاج بالنسبة إلى السوق العالمية.
في غضون ذلك، نجحت مصافي النفط الأوروبية في تأمين الحصول على إمدادات الخام من موردين جدد، معظمهم من الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط، في حين ظلت الشحنات المتزايدة في بحر الشمال موجودة في المنطقة.
سقف أسعار النفط محور خلاف
كان السقف السعري، الذي حددته مجموعة الـ7 العام الماضي، مسألة خلافية، إذ استهدف خفض إيرادات صادرات الخام الروسية، وتأمين إمدادات جيدة إلى الأسواق العالمية.
إلا أن منتقدي هذا القرار يرون أن تلك الأهداف متناقضة في حد ذاتها، فقد أظهرت روسيا قدرة كبيرة على التكيف مع العقوبات الغربية، عبر إيجاد بدائل لشركات الشحن والتأمين الغربية، ما أتاح لها التحايل على سقف الأسعار المذكور.
وجاء هذا التوجه المهم مقترنًا بعامل ديناميكي متغير متمثل في أسطول الظل الروسي الذي مثّل 167 سفينة بدءًا من يونيو/حزيران (2023)، مقارنة بـ120 سفينة في ديسمبر/كانون الأول (2022)، و143 سفينة في أبريل/نيسان (2023).
وعلاوة على ذلك فإن ديناميكيات سوق النفط الروسية قد تأثرت كثيرًا بالتوترات الجيبوسياسية والعقوبات الاقتصادية.
فقد قرر الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات بواقع 6 أشهر حتى 24 يناير/كانون الثاني (2024).
وتشتمل تلك العقوبات -أيضًا- على الحظر المفروض على الواردات أو حتى النفط الخام المنقول بحرًا، ومشتقات نفطية معينة من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي.
كما تضمنت العقوبات عزل العديد من البنوك الروسية عن نظام “سويفت”، إلى جانب اتخاذ إجراءات معينة تستهدف تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على مقاومة التحايل على العقوبات من قبل موسكو.
وقد أحدثت ظروف السوق المتغيرة تحولات إستراتيجية من قبل لاعبي النفط الرئيسين، ما قاد إلى تداخل معقد بين أسعار النفط العالمية وآثار العقوبات.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- التبادل التجاري للطاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا:
ضغوطات شديدة
تجد سوق النفط الروسية نفسها تحت وطأة ضغوطات شديدة، في حين تعيد الأحداث الجيوسياسية تشكيل مشهد الطاقة العالمي.
وفي ظل فرض العقوبات الاقتصادية على موسكو في أعقاب الغزو الأوكراني، يُتوقع تراجع سعة صادرات النفط الروسي، ما يمهد الطريق أمام وقف بعض الإنتاج.
وعلى المدى البعيد، قد يفرض هروب الشركات الغربية من روسيا -أيضًا- قيودًا على نمو السعة، نتيجة التأخر في تنفيذ المشروعات بسبب ندرة التقنيات وشُح المعدات.
ووفقًا للتوقعات الصادرة قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، كان من المقرر أن يرتفع إجمالي إنتاج النفط الروسي بواقع 100 ألف برميل يوميًا، ليصل إلى ذروته عند 11.3 مليون برميل يوميًا في أواسط العقد الجاري (2025)، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيًا.
ومع ذلك فإنه وفي ضوء الأحداث الراهنة، تحوم توقعاتنا بشأن الإمدادات عند أقل من تقديرات ما قبل الحرب الأوكرانية بنحو 600 ألف برميل يوميًا.
أداء قوي في 2022
رغم العقوبات، ظلت إمدادات النفط الروسي ثابتة بصورة ملحوظة في العام الماضي (2022)، مع ارتفاع إجمالي تلك الإمدادات بصورة طفيفة بواقع 220 ألف برميل يوميًا إلى 11.1 مليون برميل يوميًا.
وخلال العام الجاري (2023)، أُعيد توجيه صادرات الخام والمشتقات النفطية إلى أسواق جديدة، ما يغري التجار بخصومات سعرية كبيرة، ويحفزهم على خوض المخاطرة بالتعامل مع براميل النفط الروسي.
وقد جاء هذا مقترنًا بزيادة أنشطة الحفر في منطقة غرب سيبيريا.
وبناءً عليه، تتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع إمدادات النفط الإجمالية تراجعًا طفيفًا، بواقع 290 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي إلى 10.8 مليون برميل يوميًا في عام 2023.
وتشتمل التقديرات الخاصة لعام 2023-2024 على خفض الإنتاج الذي أعلنته موسكو، بواقع نصف مليون برميل يوميًا، والمطبَق بدءًا من شهر مارس/آذار (2023) وحتى نهاية العام المقبل (2024).
إلا أن البحث عن أسواق جديدة يضع تحديًا جديدًا أمام روسيا، ثالث أكبر مُنتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية والسعودية.
ولطالما أقر الروس بأن مشروعات التنقيب والإنتاج ربما تواجه إرجاءً، مع كفاح بعض المنتجين المحليين لتأمين المعدات والتمويلات اللازمة، وأيضًا مع انسحاب المستثمرين والمقرضين الغربيين من روسيا.
ومع ذلك، واصلت الشركات الأميركية الكبرى إمداد سوق النفط الروسية بالمعدات المتخصصة، حفاظًا على تدفق الخام الروسي بعد الحرب الأوكرانية.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- أبرز السلع المتداولة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا:
هبوط متوقع في الإمدادات
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تواصل إمدادات النفط الهبوط حتى عام 2028، مع تراجع صافي الإمدادات بواقع 710 آلاف برميل يوميًا خلال مدة التوقعات البالغ قوامها 6 ستوات.
إلا أن قدرة موسكو على التمويل الذاتي لعمليات صناعة النفط لديها، ووصولها السهل إلى المعدات والخدمات الصينية، ربما يخفف وطأة هذا التراجع في الإمدادات.
ومع ذلك، فإن تشديد الإجراءات المالية الغربية المفروضة على موسكو قد يسرّع هذا المسار الهبوطي الحاد لإمدادات النفط الروسي.
الخلاصة أن مستقبل قطاع النفط الروسي الذي تأثر بالمناخ الجيوسياسي والعقوبات الدولية ما يزال مغلفًا بعدم اليقين.
كما أن إعادة توجيه تدفقات التجارة العالمية نحو الصين والهند، والاستجابات الإستراتيجية من قبل لاعبي النفط الرئيسين، ستترك تأثيرات دائمة في صناعة النفط الروسي، وهو ما يزيد تعقيد مشهد الطاقة العالمي.
ومن المرجح أن تواجه صناعة النفط الروسي -بمضي الوقت- تحديات إضافية في الوصول إلى سوق النفط العالمية المضطربة، التي تتأثر بالعوامل الجيوسياسية والتحولات الهيكلية في استهلاك الطاقة العالمية.
وستخضع مرونة صناعة النفط الروسي لاختبارات صعبة، وهي تحاول إدارة تلك الديناميكيات، وتنويع أسواق صادراتها، والتكيف مع مشهد الطاقة العالمي المتغير باستمرار.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
Leave a Reply