اقرأ في هذا المقال
- شركات التكرير الهندية اشترت كمية هائلة من النفط الروسي في مايو/أيار الماضي
- الهند زادت بصورة منهجية وارداتها من النفط الأميركي خلال السنة المالية 2023-2024
- إستراتيجية الطاقة المتطورة التي تنتهجها الهند تعمل على الموازنة بين الاعتبارات الجيوسياسية والواقعية الاقتصادية
- الهند وروسيا عملتا على تعميق تعاونهما الإستراتيجي في منطقة القطب الشمالي الغنية بالطاقة
شهدت صادرات النفط الروسي إلى الهند تحولات إستراتيجية خلال المدة الأخيرة، في ظل بحث نيودلهي المستمر للحصول على أفضل الأسعار، ما أعاد تشكيل خريطة الإمدادات لثالث أكبر مستورد للخام في العالم.
اشترت شركات التكرير الهندية، في مايو/أيار 2024، كمية هائلة من الخام الروسي، وحققت إنجازًا غير مسبوق، مسجلةً رقمًا قياسيًا جديدًا قدره 2.1 مليون برميل يوميًا.
وأدى الارتفاع إلى زيادة حصة النفط الروسي في واردات الهند لِما يقرب من 41%، ما يؤكد مكانة الهند بكونها ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط على مستوى العالم.
وفي تناقض صريح، شهد النفط العربي، الذي هيمن على الواردات الهندية قبل بضع سنوات، انخفاضًا كبيرًا، إذ وصل إلى أدنى مستوى له منذ 10 أشهر في شهر مايو/أيار الماضي.
ويمكن أن يُعزى التحول إلى الارتفاعات المتتالية في أسعار أرامكو السعودية للمشترين الآسيويين، ما يجعل النفط الروسي خيارًا أكثر جاذبية للمصافي الهندية.
وشهد مايو/أيار الماضي ارتفاع إجمالي واردات النفط الهندية بنسبة 5.6% على أساس شهري، إلى ما يقرب من 5.1 مليون برميل يوميًا.
في المقابل، شهدت واردات النفط الروسي زيادة أكبر بنسبة 14.7% شهريًا و5.9% سنويًا.
النمو في التجارة مع روسيا
مع نهاية العام الماضي، ظهرت مخاوف من أن الهند قد تخفض وارداتها من النفط الروسي بسبب العقوبات، على الرغم من الزيادة الكبيرة خلال العام ونصف العام السابقين.
وتجاهل كثيرون حقيقة تردُّد الهند في دفع ثمن النفط باليوان، كما أن عدم قابلية الروبية للتحويل فرضَ تحديات على روسيا بصفتها دولة مصدّرة.
وبحلول فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، بدأت هذه القضايا في الحل، حسبما يتضح من الارتفاع المطّرد في واردات الهند من النفط الروسي، وتؤكد الإحصاءات الحالية أن هذه التحديات قد عولجت بنجاح.
تجدر الإشارة إلى أن إستراتيجية الطاقة التي تنتهجها الهند تستحق الثناء، وتعمل البلاد على الموازنة بمهارة بين الاعتبارات السياسية والواقعية الاقتصادية من أجل تأمين مستقبلها في مجال الطاقة، بهدف جعل القرن الـ21 “قرن الهند”.
وتتضح هذه المنهجية الواقعية في الزيادة المتزامنة بواردات النفط الأميركية، إلى جانب المشتريات القياسية من روسيا.
وإدراكًا لأهمية تنويع المورّدين لأمن الطاقة، زادت الهند بصورة منهجية وارداتها من النفط الأميركي خلال السنة المالية 2023-2024.
والجدير بالذكر أن المصافي الهندية دفعت أقل بنسبة 16% للكمية من النفط الأميركي، مقارنة بالعام السابق.
وأسهمت الزيادة الكبيرة في مشتريات الهند من النفط من كل من روسيا والولايات المتحدة في تحقيق عام قياسي لواردات النفط عبر آسيا.
إمدادات الطاقة إلى الهند
في تناقض واضح مع الارتفاع الكبير في واردات النفط الروسي، انخفضت واردات الهند من المملكة العربية السعودية إلى أدنى مستوى لها منذ 10 أشهر في مايو/أيار الماضي.
ويعود الانخفاض إلى قرار أرامكو السعودية رفع الأسعار الآجلة للشهر الثاني على التوالي.
ونتيجة لذلك، ارتفع إجمالي واردات الهند النفطية في شهر مايو/أيار الماضي بنسبة 5.6% مقارنة بشهر أبريل/نيسان الماضي، ليصل إلى نحو 5.1 مليون برميل يوميًا.
والجدير بالذكر أن واردات النفط الروسي وحدها ارتفعت بنسبة 14.7% عن الشهر السابق، وبنسبة 5.9% مقارنة بالمدة نفسها من العام السابق.
وقد استفادت مصافي التكرير الهندية بصورة كبيرة من سعر الخام الروسي منخفض السعر، الذي أصبح أكثر جاذبية اقتصاديًا من الخامات المماثلة القادمة من الشرق الأوسط.
وقد دفعت التداعيات الجيوسياسية الناجمة عن غزو أوكرانيا العديد من الدول الأوروبية إلى تقليل اعتمادها على النفط الروسي، ما سمح للهند بتأمين هذه الإمدادات بسعر مخفض.
بدورها، أسهمت الواردات المتزايدة من روسيا والولايات المتحدة في ظهور اتجاه أوسع في آسيا، حيث دفعت المشتريات الهندية القوية واردات المنطقة من النفط إلى أعلى مستوى لها منذ عام واحد.
ويسلّط هذا المشهد المتقلب الضوء على إستراتيجية الطاقة المتطورة التي تنتهجها الهند، التي تعمل على الموازنة بين الاعتبارات الجيوسياسية والواقعية الاقتصادية من أجل تأمين مستقبل الطاقة في الهند.
وتعكس واردات الهند من النفط التي بلغت مستويات غير مسبوقة من روسيا ومشترياتها المتزايدة من الولايات المتحدة نهجًا حكيمًا في إدارة التكاليف وضمان استقرار العرض في بيئة السوق العالمية المتغيرة.
تحولات إستراتيجية وتداعيات اقتصادية
بالإضافة إلى زيادة واردات النفط، عملت الهند وروسيا على تعميق تعاونهما الإستراتيجي في منطقة القطب الشمالي الغنية بالطاقة.
ويسعى البلدان، حاليًا، إلى تسهيل تدفّق الاستثمارات الهندية في مشروع نفط فوستوك، وهو مبادرة واسعة النطاق للنفط والغاز.
ويؤدي هذا التعاون في القطب الشمالي إلى تعزيز أمن الطاقة في الهند، ويعزز العلاقات السياسية والعلمية بين البلدين.
إضافة إلى ذلك، من المقرر بدء الملاحة طوال العام على طول الجزء الشرقي من طريق بحر الشمال (NSR) في نهاية عام 2024.
ومن المتوقع أن يتجاوز حجم نقل البضائع على طول هذا الطريق 150 مليون طن بحلول عام 2030 و200 مليون طن بحلول عام 2035، ما سيعزز بصورة كبيرة أهميتها للتجارة العالمية.
وإدراكًا للأهمية الإستراتيجية لهذه الطريق، تهدف الهند إلى أن تصبح شريكًا نشطًا في مبادرة طريق بحر الشمال.
ويُعدّ الأمر بالغ الأهمية، إذ تعمل الصين ودول آسيوية أخرى على تكثيف تعاونها مع روسيا لتوسيع النقل وبناء سفن حاويات جديدة من فئة الجليد لطريق بحر الشمال والهند مهتمة بالحصول على كاسحة الجليد لتزويد محطات الأبحاث القطبية في القطب الشمالي.
من ناحيتها، أكد رئيس الوزراء مودي هذا الموقف، قائلًا، إن الهند ستشتري النفط من روسيا علنًا، وشدد على الطبيعة “الخاصة والمتميزة” للعلاقات الروسية الهندية.
وأعرب عن التزامه بتعزيز هذه العلاقات، وهنّأ الرئيس بوتين على إعادة انتخابه في مارس/آذار 2024.
وقد أظهر كلا البلدين القدرة على إدخال آليات تجارية جديدة بسرعة لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية وسط الضغوط الخارجية.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد صرّح في مايو/أيار 2023 بأن حجم المدخرات بالروبية في البنوك الهندية يصل إلى ملايين الدولارات.
من ناحية ثانية، تُعالَج هذه القضية من خلال الاستثمارات الإستراتيجية في سوق الأوراق المالية الهندية ومشروعات البنية التحتية، ويخفف هذا النهج من التحديات المالية، ويؤكد متانة العلاقات الثنائية.
ومن خلال حسابات الروبية الخاصة المشتركة للتجارة والاستثمار، نوَّع البلَدان تعاملاتهما الاقتصادية بما يتجاوز تبادل العملات التقليدية.
وقّعت الهند -أكبر مركز لتكرير النفط في العالم- عقدًا مؤكدًا مع شركة روسنفط، لتوريد 3 ملايين برميل من النفط شهريًا.
ويمثّل هذا الاتفاق تحولًا كبيرًا، إذ ستدفع الهند بالروبل، وهو خروج عن الممارسة السابقة المتمثلة في الدفع بالروبية.
وسيجري تسهيل المدفوعات من خلال بنك “إتش دي إف سي” HDFC الهندي وبنك غازبروم الروسي، وكلاهما يعمل خارج نطاق نظام الدفع الغربي “سويفت” SWIFT، إذ يضمن هذا الترتيب حماية المعاملات من العقوبات المحتملة.
وأبرمت شركة ريلاينس إندستريز، التي تدير أكبر مجمع للتكرير في العالم، صفقة لمدة عام مع شركة روسنفط لشراء ما لا يقل عن 3 ملايين برميل من النفط شهريًا بالروبل، وفقًا لمصادر نقلتها رويترز.
ويتوافق هذا التحول إلى المدفوعات بالروبل مع مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لموسكو وشركائها التجاريين لإيجاد بدائل للنظام المالي الغربي، ومن ثم تسهيل التجارة على الرغم من العقوبات الأميركية والأوروبية.
وتسمح الصفقة المؤقتة مع روسنفط لشركة ريلاينس بالحصول على النفط بأسعار مخفضة، وسط توقعات بأن تمدّد مجموعة أوبك+ لمنتجي النفط تخفيضات الإمدادات الطوعية إلى ما بعد يونيو/حزيران، وبدءًا من الأول من أبريل/نيسان الماضي، بداية السنة المالية الهندية، ستشتري ريلاينس شحنتين بنحو مليون برميل من خام الأورال شهريًا، مع خيار شراء 4 شحنات أخرى، بخصم قدره 3 دولارات للبرميل عن مؤشر دبي للشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، ستحصل ريلاينس على شحنة أو شحنتين شهريًا من النفط الخام منخفض الكبريت، وبشكل أساس مزيج إسبو ESPO المصدر من ميناء كوزمينو الروسي على المحيط الهادئ، بعلاوة قدرها دولار واحد للبرميل فوق أسعار دبي.
وسيُدفَع ثمن النفط بالروبل من خلال بنك “إتش دي إف سي” الهندي وبنك غازبروم الروسي.
وتُظهر آلية الدفع الجديدة هذه الإستراتيجيات المالية المتطورة بين الهند وروسيا للحفاظ على علاقات تجارية قوية وسط التحديات الاقتصادية العالمية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ في هذا المقال..
Leave a Reply