شهدت أسعار النفط في 2024 تقلبات هائلة، مدفوعة بمجموعة من العوامل التي أعادت تشكيل السوق، وكان أبرزها تأثيرًا هو تباطؤ نمو الطلب على الخام في الصين.
فقد دفع التحول غير المتوقع باستهلاك النفط في الصين العديد من المحللين والمؤسسات المعنية إلى مراجعة توقعاتهم، إذ خفضت وكالة الطاقة الدولية -في أحدث تقاريرها- التقديرات إلى 150 ألف برميل يوميًا من 800 ألفًا في ديسمبر/كانون الأول 2023، في حين خفضت أوبك -مؤخرًا- تقديراتها إلى 580 ألف برميل يوميًا من 710 آلاف.
ومع ذلك، تشير بيانات قطاع النفط في الصين إلى انخفاض الطلب لِما دون هذه التوقعات، وفق تقرير حديث حصلت وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) على نسخة منه.
وأشار التقرير إلى أن الطلب على النفط ربما انخفض مقارنة بالعام السابق، وهذا ملحوظ، لأنه يمثّل المرة الأولى التي يُعزى فيها الانخفاض إلى عوامل محلية، وليس لأحداث خارجية.
اتجاه الطلب على النفط في الصين
سلّط التقرير الصادر عن شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز الأميركية الضوء على الاتجاهات التاريخية في الطلب على النفط في الصين منذ عام 1990، موضحًا أن البلاد شهدت انخفاضين ملحوظين في الطلب، خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، وفي أثناء عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا خلال عامي 2020 و2022، في حين توقَّف نمو الطلب خلال عامي 2005 و2008.
وبالنسبة لعام 2024، قد تشهد الصين تباطؤًا في الطلب على النفط؛ مدفوعًا في المقام الأول بالمشكلات الهيكلية المتعلقة بالاقتصاد.
ورغم توقعات وكالة الطاقة الدولية وأوبك، يعتقد بعض المحللين أن نمو بعض المشتقات النفطية قد يشهد تراجعًا بنحو 300 ألف برميل يوميًا.
كما أن البيانات تشير إلى اتجاه مقلق في إنتاج المصافي، مع استمرار انخفاض الإنتاج لمدة 6 أشهر متتالية، بما في ذلك تراجع بنسبة 5.4% في سبتمبر/أيلول إلى 14.29 مليون برميل يوميًا، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.
ومؤخرًا، بدأ الطلب على النافثا وسوائل الغاز الطبيعي في الانخفاض، بعد الارتفاع الناجم عن النمو في تصنيع السيارات الكهربائية.
وقد يشير هذا الانخفاض إلى التباطؤ بتصنيع المركبات الكهربائية في الصين، وسيسهم ذلك في تراجع النمو الاقتصادي.
وخلصت شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز إلى أن الطلب على النفط في الصين قد انخفض على الأرجح بما لا يقل عن 300 ألف برميل يوميًا عام 2024.
فضلًا عن ذلك، أدت عمليات السحب من المخزون خلال عام 2024 دورًا في تلبية جزء من الاستهلاك المحلي على حساب الواردات.
وعند احتساب عمليات السحب من المخزون، توضح البيانات أن استهلاك النفط في الصين ارتفع بمعدل 490 ألف برميل يوميًا، وهو ما يتماشى -تقريبًا- مع توقعات أوبك البالغة 580 ألفًا.
انخفاض أسعار النفط في 2024
رغم انخفاض إمدادات النفط من أوبك+ والمنتجين الآخرين، مثل البرازيل والنرويج والولايات المتحدة، والتوترات الجيوسياسية، تواصل أسعار النفط في 2024 انخفاضها، مقارنة بالعام الماضي.
ويُتداول خام برنت حاليًا عند مستوى 75 دولارًا للبرميل، مقارنة مع متوسط يتجاوز 82 دولارًا للبرميل خلال عام 2023.
وفي تقرير آفاق الطاقة قصيرة الأجل، أكتوبر/تشرين الأول 2024، خفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعات أسعار النفط في 2024، إذ قلّصت تقديراتها بشأن سعر خام برنت بنحو 2.3%، ليصل إلى 80.89 دولارًا للبرميل، مقابل التقديرات السابقة البالغة 82.80 دولارًا.
ويمثّل انخفاض الطلب الصيني على الخام العامل الرئيس لانخفاض أسعار النفط في 2024، بالإضافة إلى تراجع الطلب في الأسواق الرئيسة الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة والهند، لِما دون التوقعات.
وأكد تقرير شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز أن الصين أدت دورًا في تراجع أسعار النفط في 2024، لسببين:
أولًا، أن الطلب الفعلي أقل من التوقعات السابقة، حتى عند النظر في زيادة الاستهلاك المقدّرة بنحو 490 ألف برميل يوميًا، إذ ما تزال أقل من تقديرات الأصلية الأولية لوكالة الطاقة الدولية بنحو 300 ألفًا ، وتقديرات أوبك بنحو 220 ألفًا.
ثانيًا، اعتماد الصين على السحب من المخزونات بدلًا من الواردات، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وأشار التقرير إلى أنه في حالة اعتماد الصين على الواردات فقط لتلبية الطلب دون السحب من المخزون، فإن ديناميكيات السوق ستكون مختلفة، لأن ذلك كان سيؤدي إلى زيادة الواردات خلال عام 2024 على أساس سنوي، ولم تكن السوق لتشهد فائضًا.
ونتيجة لذلك، لم يكن أوبك+ بحاجة إلى تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية، ومن ثم ارتفاع أسعار النفط.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply