تراجعت أسعار النفط بصورة ملحوظة منذ مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، بعد أن حقّقت مكاسب على خلفية التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 3% في جلسة 31 يوليو/تموز 2024، بعد أن أثار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في إيران، خطر نشوب صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط؛ ما أثار المخاوف بشأن التداعيات المحتملة على النفط الخام.
وسرعان ما تراجعت أسعار النفط بنسبة 2% في نهاية تعاملات يوم الخميس 1 أغسطس/آب 2024، الذي شهد -أيضًا- اجتماع لجنة المراقبة الوزارية التابعة لتحالف أوبك+، وتجديد تأكيد الدول التي تطبق تخفيضات طوعية للإنتاج، بقيادة السعودية، أن التخلص التدريجي من هذه التخفيضات يُمكن وقفه مؤقتًا أو عكس اتجاهه (زيادة الإنتاج).
واستطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) آراء نخبة من الخبراء المتخصصين حول أسباب انخفاض أسعار النفط رغم التوترات الجيوسياسية الأخيرة، ومدى احتمالية ارتفاع الأسعار مجددًا.
عوامل انخفاض أسعار النفط
أرجع المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية -سابقًا- علي بن عبدالله الريامي، انخفاض سعر النفط إلى البيانات الأخيرة من الحكومة الأميركية بعدم وجود نمو مثلما هو متوقع، وانخفاض الأسهم في البورصات العالمية، والتخوف من دخول الاقتصادات الكبرى في حالة ركود، وعدم وجود نمو في الطلب على النفط في آسيا، خاصةً في الصين.
وقال: “على الرغم من هذه الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى انهيار أسعار النفط في الأيام القليلة الماضية، التي أتوقع أن تستمر خلال عدة أيام مقبلة، كان من المفترض أن يكون للتطورات الجيوسياسية الأخيرة تأثير إيجابي في أسعار الخام، ولكن كان الوضع الاقتصادي والخوف من الركود أقوى”.
وأضاف الريامي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن أسعار النفط لم تتأثر بخروج حقل الشرارة وبعض الحقول الصغيرة في ليبيا عن الإنتاج، والعوامل المناخية في الولايات المتحدة.
ومن جانبه، يرى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، أن أسعار النفط ارتفعت في البداية بسبب المخاوف بشأن انقطاع الإمدادات في أعقاب هجمات إيران على إسرائيل؛ ومع ذلك، أدى الضرر المحدود والافتقار إلى التصعيد إلى انخفاض علاوة المخاطر.
وتابع: “كان لإغلاق حقل الشرارة، الذي من شأنه عادةً أن يرفع الأسعار، تأثير خافت بسبب الاستقرار في مناطق أخرى وإمكان استئناف الإنتاج أو تعويضه”.
بالإضافة إلى ذلك، يرى شوكري أن خفض وكالة الطاقة الدولية لتوقعات نمو الطلب على النفط، يعكس نظرة حذرة بشأن استهلاك النفط العالمي، ما يخفّف من ارتفاع الأسعار.
وشدد على أن العوامل الاقتصادية تؤدي -أيضًا- دورًا مهمًا؛ إذ يُمكن أن تؤدي السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي واحتمال استقرار الدولار أو قوته، إلى انخفاض أسعار النفط.
كما يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى الأخرى إلى تقليل توقعات الطلب على النفط، ما يُسهم في انخفاض أسعار النفط.
وأكّد رئيس قسم تحليل النفط في شركة “غازبودي” باتريك دي هان، أن انخفاض أسعار النفط رغم زيادة حدّة التوترات في الشرق الأوسط، يرجع إلى الضعف الاقتصادي.
وأشار باتريك إلى أن اقتصاد الصين (ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم) كان ضعيفًا في الآونة الأخيرة، والآن مع تقرير الوظائف الأميركي الضعيف الأسبوع الماضي، هناك قلق متزايد من الركود القادم.
وشدد محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، على أن حركة أسعار النفط -كما هو الحال دائمًا- لا ترجع إلى عامل أو عاملين فقط، وإنما إلى مزيج من العوامل.
وأوضح إيتيّم -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن البيع المكثف كان مدفوعًا في المقام الأول بتقرير التوظيف الأميركي الضعيف الذي صدر في أواخر الأسبوع الماضي، والمخاوف الأوسع نطاقًا بشأن الركود وتدهور التوقعات للاقتصاد العالمي.
وقال: “التوترات في الشرق الأوسط، والأحداث غير المتكررة، مثل إغلاق حقل الشرارة الليبي، هي التي أوقفت في الأساس الانحدار الحاد في الأسعار، على الرغم من أنه لا يبدو أننا خرجنا من الأزمة بعد، إذ ما يزال خام برنت يحوم حول مستوى 75-76 دولارًا للبرميل”.
وأضاف إيتيّم أن القلق على الصعيد الجيوسياسي يدور في المقام الأول حول الخطر المتزايد للتصعيد في الشرق الأوسط، في أعقاب اغتيال إسرائيل قادة رئيسين من حزب الله وحماس، ولكن من غير المرجح أن تكون الطاقة هدفًا نشطًا.
وتابع: “إذا ظل الحال على هذا النحو، فلا ينبغي لنا أن نرى أو نتوقع ظهور علاوة مخاطر جيوسياسية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.
ومن جانبه، قال رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، إن تجار النفط أكثر حساسية للمخاطر الاقتصادية الكلية الهبوطية، خاصةً في الصين، مقارنةً بالمخاطر الجيوسياسية.
وأوضح -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن تقرير البطالة الضعيف في الولايات المتحدة عمل على تأجيج هذه المشاعر الهبوطية الكلية، التي أدت إلى بيع العقود الآجلة للنفط.
وشدد مكنالي على أن التجار اعتادوا على نوبات متقطعة من المخاطر الجيوسياسية التي لا تؤدي إلى خسارة مادية في إمدادات النفط، من بينها الغزو الروسي لأوكرانيا، وتبادل الهجمات المباشرة في أبريل/نيسان الماضي بين إسرائيل وإيران.
وأضاف: “ما تزال السوق راضية للغاية عن مخاطر الاضطرابات الجيوسياسية في الوقت الحالي”.
دور تراجع الطلب على النفط
تقول الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي لأبحاث واستشارات الطاقة، الدكتورة كارول نخلة، إن العرض المفرط يطارد طلبًا ضئيلًا نسبيًا؛ ما يُسهم في تراجع أسعار النفط.
وأوضحت -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن حالة عدم اليقين الاقتصادي والمخاوف من التباطؤ في الاقتصادات الكبرى ما تزال تثقل كاهل الطلب على النفط.
وفي الوقت نفسه، فإن نمو العرض، خاصةً من خارج أوبك+، يُعد قويًا؛ بالإضافة إلى القدرة الاحتياطية الكبيرة نتيجة تخفيضات إنتاج أوبك+، بحسب ما أكدته كارول نخلة.
وشاركتها الرأي مؤسّسة مركز “فاندا إنسايتس”، المعني بأسواق الطاقة فاندانا هاري، التي أكدت أن مخاوف انخفاض الطلب تفوق مخاوف مخاطر العرض.
وقالت هاري، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، إن المخاوف من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة يهزّ الأسواق المالية، تثقل كاهل النفط الخام بصورة كبيرة، إذ لا يسمح بعلاوة كبيرة من المخاطرة بسبب التوترات في الشرق الأوسط.
كما أن السوق تتردد في أن تضع في الحسبان بصورة استباقية، خطر اندلاع حرب إقليمية وانقطاع الإمدادات بعد تجربة أبريل/نيسان، عندما تراجعت إيران وإسرائيل عن شفا حرب شاملة، بحسب مؤسّسة مركز “فاندا إنسايتس”.
وأشارت هاري إلى أن إغلاق حقل الشرارة الليبي جزئي وصغير جدًا، إذ لا يُمكن حسابه في مواجهة الضغوط الهائلة التي يشعر بها النفط الخام اليوم بسبب المخاوف الاقتصادية الأميركية.
ومن جانبه، شدد رئيس تحرير منصة “بتروليوم إيكونوميست” بول هيكن، على أن الطلب هو المحرك الرئيس، كما أزعجت التوقعات والمخاوف بشأن النمو الاقتصادي الأميركي المستثمرين والأسواق مرة أخرى.
وقد أدى الجمع بين أسعار الفائدة المرتفعة والبيانات الاقتصادية غير المقنعة في الولايات المتحدة إلى دق ناقوس الخطر، وغذّى المخاوف القائمة من أن أداء توقعات الطلب على النفط سيكون أضعف من المتوقع.
وقال هيكن -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن المخاوف من الركود المحتمل في الولايات المتحدة، رغم أنها ما تزال بعيدة بعض الشيء عن التحول إلى حقيقة، تتفوق على أي علاوة مخاطر جيوسياسية، لأن المستثمرين يرون أن الركود يمثّل موقفًا متطرفًا أكثر مصداقية وواقعية من تصاعد العنف الذي يعطّل تدفقات الطاقة لأي مدّة زمنية متواصلة.
وأضاف: “يُعد كلا الأمرين من المخاطر الصغيرة التي تحتاج السوق إلى تقييمها، ولكن المخاطر الاقتصادية فقط هي التي تُعد كبيرة بما يكفي لتبرير هبوط أسعار النفط”.
ويعتقد الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، أن الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط مؤخرًا يُعد نتيجة ضعف الأداء في الاقتصاد العالمي، الذي يتزامن مع التشديد على تثبيت أسعار الفائدة في أوربا والولايات المتحدة بصفة خاصة، فضلًا عن ضعف الأداء الصناعي الصيني البطيء.
ومع ذلك، أوضح بوطمين أن ما يميز هذا التراجع في الأسعار هذه المرة هو خضوعه أساسًا لقواعد السوق بعيدًا عن التاثيرات الجيوسياسية، التي عادةً ما تؤثر مباشرةً في السوق.
إذ هناك تخمة في المعروض نتيجة ضعف الطلب، وكأنها غطت على الهامش الجيوسياسي؛ فالإنتاج ما يزال جيدًا مع غياب أي ضغط على سلاسل التوريد التي لم تتأثر ببعض التوترات.
وأكد محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري، جيوفاني ستانوفو، أن أساسيات النفط تبدو جيدة بالنسبة إليه، قائلًا: “أعتقد أنه لا توجد علاوة مخاطرة في النفط في الوقت الحاضر، بسبب عدم انقطاع العرض”.
وتابع: “لكنني أود أن أقول -أيضًا- إن التوترات في الشرق الأوسط زادت على مدى الأيام القليلة الماضية.. ولكن الأسواق ربما تتفاعل بمجرد أن ترى الخطوة التالية التي ستتخذها إيران”.
هل ترتفع أسعار النفط فوق 80 دولارًا؟
حول إمكان ارتفاع أسعار النفط فوق 80 دولارًا للبرميل، حال رد إيران على إسرائيل، أشار كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، إلى أن الأمر يعتمد على عدة عوامل.
وقال إن الأسعار ارتفعت في البداية في أعقاب هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية دون طيار على إسرائيل، لكنها استقرت لاحقًا، إذ قيّمت السوق التأثير المحدود، مع تقليل الدفاعات الإسرائيلية للأضرار.
وأكد شوكري أن التوترات المستمرة وإمكان اتخاذ إجراءات انتقامية أخرى قد تؤدي إلى تقلبات في أسعار النفط، خاصةً إذا تعطّلت نقاط المرور الرئيسة مثل مضيق هرمز.
وشدد -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- على أن اضطرابات العرض، واستهداف إيران للبنية التحتية للنفط، وتعديلات إنتاج أوبك، والظروف الاقتصادية الأوسع نطاقًا ستؤثر في الأسعار.
وأوضح أن التصعيد الكبير قد يدفع الأسعار إلى ما يزيد على 80 دولارًا، لكن ديناميكيات السوق الحالية تشير إلى الاستقرار ما لم تحدث اضطرابات كبيرة.
كما يرى رئيس قسم تحليل النفط في شركة “غازبودي” باتريك دي هان، أن ارتفاع الأسعار فوق 80 دولارًا أمر محتمل؛ ولكن فقط إذا كانت هناك بعض الأخبار الاقتصادية الإيجابية مع صدمة كبيرة لهجوم إيراني.
وقال -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة-: “يقودني تحليلي الشخصي إلى الاعتقاد أن إيران قد ترغب في الرد، ولكنها ترغب أيضًا في الحدّ من المزيد من التصعيد مع إسرائيل”.
ومن جانبها، أشارت مؤسّسة مركز “فاندا إنسايتس”، المعني بأسواق الطاقة فاندانا هاري، إلى أنه ما يزال من الممكن أن نشهد ارتفاعًا مفاجئًا إذا هاجمت إيران إسرائيل، ولكن إذا لم يحدث أي ضرر حقيقي، كما حدث في أبريل/نيسان، فلن تدوم هذه الزيادة.
وشاركتها الرأي الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي لأبحاث واستشارات الطاقة، الدكتورة كارول نخلة، التي أشارت إلى احتمال وجود ارتفاعات مفاجئة تأثير الصدمة الأولي.
وتابعت: “لكن كل هذا يتوقف على شكل الهجوم ومدته (على سبيل المثال رد الفعل الخافت للأسواق على الهجمات الأخيرة) وأي تصعيد لاحق، والأهم من ذلك هل ستكون هناك اضطرابات كبيرة في الإمدادات”.
كما رأى المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية -سابقًا- علي بن عبدالله الريامي، أن الأمر يعتمد على رد فعل إيران وحجمه وتأثيره في المنطقة.
وقال: “هل هو فقط من إيران أم عن طريق وكلاء لها في المنطقة.. إذا كان محدودًا، فلن يكون هناك تأثير في أسعار النفط”.
وتابع: “إذا ردت إيران بشكل كبير ومبالغ فيه ولم تستوعب إسرائيل هذا الرد، فقد تدخل المنطقة إلى حرب إقليمية، ويُمكن أن تجر معها بعض القوات الأجنبية، ويمكن أن تشتعل المنطقة.. في هذه الحالة، يمكن أن يحدث تقلب في أسعار النفط”.
وأشار محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، إلى أن إمكان ارتفاع أسعار النفط يتوقف على كيفية رد إيران، وبطبيعة الحال، على كيفية رد إسرائيل بدورها.
وقال: “حتى الآن، يبدو أن الطاقة كانت خارج الحسبان في الصراع الحالي.. وأتوقع أن يستمر هذا الحال.. ولكن إذا استهدف أي من الجانبين منشآت الطاقة لأي سبب من الأسباب، فإن كل شيء سيتغير”.
وأضاف: “في إسرائيل، يتركز الخوف الرئيس حول البنية الأساسية البحرية للغاز، وربما المصافي على اليابسة.. إذا جرى استهدافها، وقررت إسرائيل الرد بالطريقة نفسها، واستهداف منشآت النفط والغاز الإيرانية، فمن المؤكد أن الأسعار سترتفع”.
وقال الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، إنها ليست أول مرة تحدث أزمة بين إيران وإسرائيل، لذا قد يكون رد الفعل نفسه الذي شاهدناه المرة الأخيرة عند مهاجمة إيران بعض الأهداف داخل إسرائيل، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الخطر.
ولذلك، العديد من المتابعين يقلّلون من شدة التأثير في سوق النفط مهما كانت ردة الفعل، بحسب تصريحات بوطمين إلى منصة الطاقة المتخصصة.
ومن جانبه، قال رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، إنه إذا أسفر رد إيران عن مقتل إسرائيليين، فمن المرجح أن يتصاعد العنف أكثر ويقترب من حرب إقليمية.
وأضاف: “في هذا السيناريو، أتوقع أن ترتفع أسعار النفط الخام بمقدار 3 إلى 5 دولارات للبرميل، وأعلى من ذلك بكثير إذا أدى ذلك إلى انقطاع مادي في إمدادات الطاقة في الخليج العربي”.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Leave a Reply